الخارجة عن عادة البشر لكان يشبه طريق النبوة بطريق السحر، ولكن يجوز استغواء الساحر بسحره متصوراً بصورة نبي، وذلك يؤدي إلى ما ادعاه ما في الزنديق على كثير من الأنبياء في أنهم كانوا سحرة معاونين من قبل الشيطان، لا من قبل الرحمن - عز وجل -، قيل: الفرق بين ما يكون من فعل السحرة وبين ما يكون من الأنبياء لا يخفى على متنبه في المعرفة ومتدرج في أدنى منزلة من الحكمة، فإن تأثير السحر لا يكون إلا في فساد جزئي من كل مشرك خبيث في نفسه شرير في طبعه متدنس في بدنه، ولذلك أكثر ما يقع في حيض النساء وعبدة الأصنام وضعاف العقول وفي الأمكنة القذرة، وأكثر تأثيرهم في مجالسهم، ثم لا يكون في الندرة، ومتى قوبل بالاستعاذة بالله تعالى وبذكره بطل سلطانه، فأما ما كان من الأنبياء عليهم السلام، فلا يحصل إلا من كل مؤمن محصن الإيمان مقدس في نفسه خير في طبعه طاهر في بدنه [ويكون تأثيره] في أولي العقول الراجحة والأفهام البارعة، ويزداد بازدياد التقرب إلى الله تعالى، وذلك ظاهر لمن ألقى السمع وهو شهيد، ولو لم يكن للسحر حقيقة لا أعظم الله أمره في قوله:{وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}، ولما أمروا بالتعوذ من شر النفاثات في العقد، ولو كان كما قال الجدليون لما ورد والشرائع بقتل السحرة ونفيهم عن بلاد الإسلام، ولما أجرى مجرى الشرك حتى قال بعض الفقهاء: لا تقبل توبتهم كالمستسر بالكفر، والنميمة والخديعة لا تستحق بها هذه العقوبة، فإن قالوا فالذي هو كفر هو ما تقول العامة إن الساحر يطير بلا جناح، ويكفي البيضة والمكنة، فيبلغ في أقصر مدة إلى بلد بعيد، قيل: مدعى دلك ومصدقه سخيفان يضحك منهما، ولا خلاف أن بذلك لا يستحقان الارتداد والقتل، وإنما يستحق القتل إذا ادعى قتل الإنسان بسحره على شرائط مخصوصة على قول بعض الفقهاء أو ادعى ما ينبئ عن صريح كفر، وقد أنكر الجدليون ما روي في ذلك من الأخبار الصحيحة والآثار الواضحة كنحو ما روي أن اليهود سحرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - عليه السلام: " أتاني ملكان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما: ما بالرجل فقال الأخر: مطبوب، قال: ومن طببه؟ قال: بنات لبيد بن