وروده المدينة، وهذا أظهر، فالآية التي بعدها هي الناسخة لا استفتح بقوله:(قد نرى) ..
إن قيل: ما وجه قوله: (إلا لنعلم)، وذلك يقتضي استفادة علم وقد علم أن الله تعالى لم يزل عالماً بما كان، وبما يكون؟ قيل إن ذلك من الألفاظ التي لولا السمع لما تجاسرنا على إطلاقها عليه تعالى، ومجاز ذلك على أوجه ..
الأول: أن اللام في مثل ذلك تقتضي شيئين: حدوث الفعل في نفسه، وحدوث العلم به، ولما كان
علم الله لم يزل ولا يزال صار اللام فيه مقتضياً حدوث الفعل لا حدوث العلم.
والثاني: أن العلم يتعلق بالشيء على هو به، والله تعالى علمهم قبل أن يتبعوه غير تابعين،
وبعد أن تبعوه علمهم تابعين، وهذا الجواب كالأول في الحقيقة، لأن التغيير داخل في المعلوم لا في
العلم.
والثالث ة معناه لنعلم حزبنا، فنسب ذلك إلى نفسه على علاته في نسبه، أفعال أوليائه إلى نفسه، كقوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}، وقال في موضع أخر:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} وقال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} وإنما علمه بملائكته.
والرابع: معناه لنجازي، وذلك متعارف نحو: قولك: سأعلم.
حسن بلائك، أي سأجازيك على حسب مقتضى علمي- قيل: فعبر عن الجزاء بالعلم لما كان هو سببه.
والخامس: أن عادة الحكيم إذا أفاد غيره علما أن يقول وتعالى " حتى يعلم كذا "، وإنما يريد إعلام المخاطب لكن يحل نفسه محل المشارك للمتعلم على سبيل اللطف ...