ركن من أركان واحدة منها، ثم عدها وذكر جملتها وفرائضها ونوافلها وبيان [ذلك أن جميع البر ضربان: اعتقاد، وأعمال فالاعتقاد] أصوله الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والأعمال ضربان: أحدهما ما يأخذ الإنسان به نفسه في معاشرة الناس من الأقارب والأباعد من ذلك المعروف والمواساة والتحبب إليهم بالسر والقول الحسن.
والثاني: ما يتخصص به في نفسه من إقامة العبادات واستعمال الصدق والوفاء والتواضع والصبر، وقد نبه الله عز وجل- على جميع ذلك بهذه الآية، إما على الاعتقاد فبقوله:{مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} إلى قوله تعالى: {وَالنَّبِيِّينَ}، وإما على ما يأخذ به الإنسان نفسه في معاشرة الناس فبقوله:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} إلى قوله: {وَفِي الرِّقَابِ}، فإنه ذكر الجود الذي هو من وجه أفضل هذه الأفعال، ومن وجه هو كل هذه الأفعال فإن الجواد كما يتبرع بماله يتورع عن مال غيره، وكما يجود بماله، يجود بجاهه وبطلاقة وجهه، وعند الحقيقة- بنفسه، ودل على ما تخصص به في نفسه بقوله:{وَأَقَامَ الصَّلَاةَ} إلى أخر الآية، وكل ما سكت عنه فداخل تحت ما ذكره، أو منبة عليه، ونبه أن الآيتين بذلك بر، وهو المؤدي إلى النعيم المدلول عليه بقوله:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}، وبين تعالى بقوله:{أُولَئِكَ} بأن الذين تحروا ذلك إدا اعتبرتهم بأفعالهم وأقوالهم فهم الذين صدقوا، وإذا اعتبرتهم بأفعالهم وأحوالهم فهم المتقون، والصدق والتقوى وإن اختلفت حقيقتاهما فهما متلازمان،
إن قيل:
ما وجه قوله- عليه السلام- لما سأله أبو ذر عن البر، وتلا عليه الآية، ولما سأله وابصة عنه: قال " ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس " الخبر قيل إن أباذر سأله عن ذات البر، فبينه بالآية، ووابصة سأله عن كيفية تحريه والاشتياق من نفسه في تعاطيه، فبين بصفته.