إن قيل: لِمَ لَمْ يقل: (ولكن البر بر من أمن)، أو:(البار من آمن) ليتطابقا؟
قيل: قد ذكر النحويون في هذا وأمثاله أنه على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ولكن وجه فائدته أنه إذا قل " زيد بار "، فإنه يعتبر في قولك: بار سيان الذات، والصورة والمختص بهامن معنى البر، وإذا قيل:" زيد هو البر "، ففيه مبالغة، وأنه صار لاختصاصه بهذا المعنى بحيث لا يرى منه إلا هذه الصورة مجردة عن العنصر الذي يجوز أن يتصور بغيره من الصور، وعلى هذا كل ما في معناه، نحو زيد أقبل وأدبر، وأكل وشربا وقوله:{عَلَى حُبِّهِ} أي على حب المؤمن، فيكون مضافاً إلى الفاعل، وقيل:" على حب المال " ويكون مضافا إلى المفعول، ونبه بذلك أنه يبذله مع فرط الحاجة إليه نحو قوله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، وقوله:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وسئل- عليه السلام- أي الصدقة أفضل؟
فقال:" أنْ تتصدقَ وأنت صحيح شحيحٌ تأمل العيش وتخشى الفقر "، وقيل تقديره: على حب الإيثار، وذلك أن المحمدة التامة لم تهتز لإعطاء المال وتحب ذلك كما قال الشاعر:
ليسَ يُعطيكَ للرجاءِ والخَوْ ....
فِ وِلكنِ يلدُّ طَعْمَ الْعَطَاءِ
وقيل: على حب الله أي يقصد به القربة لا طلب رياء ولا ثواب كما قال: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}