تعالى عليه الغرائز في محبة الأبوين للولد وميلهما إليه وإيثارهما له على أنفسهما، وليس ذلك في الإنسان فقط، بل في عامة الحيوانات، وذلك متقرر في النفوس حتى زعم الناس أن الهرة تأكل ولدها محبة لهم، فأخبر تعالى عما بني الطباع عليه تنبيهاً لكل واحد من الأبوين أن لا يتهم الأخر في ولده إذ قد يبلغ من شغف كل واحد منهما أن لا يأمن الأخر عليه وعدم نفقة الأم لفرط شفقتها على شفقة الأب، وذلك بالعلات ظاهر ثم باعتبار حال الحيوان يظهر ذلك ظهورا بينا وذلك أن الحيوانات المتوالدات على ضربين، ضرب يجتمع الأبوان على تفقد الولد وضرب تنفرد الأم به دون الأب، فالأم لا تنفك من تفقد الولد في جميع ذلك، فدل ذلك أن الله ركز في نفوس الأمهات من الإشفاق أكثر مما ركز في الآباء، وقوله:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} على هذا التقدير معناه عليهم أن يجروا مجراهم، وذاك أنه لا عرف من غرائز الأقارب التحاسد بخلاف ما بين الأبوين والأولاد، حتى قيل: إن الأقارب كالعقارب، بل أضر من العقارب، نبه أن حق الأقارب أن يجروا مجراهم في شفقة البعض على البعض، إذ بينهم من النسائك، والنماذج قريب مما بين الوالدين والولد، وأما إذا حمل على الأمر، فنهى أن يفعل كل واحد من الأبوين ما يؤدي إلى مضرة الولد يكايد صاحبه، أو يضرب من النظر الفاسد، فمن المفسرين من حمل ذلك على ما تقدم ذكره، وأن الوالدة منهية عن المضارة المتعلقة بالرضاع، والمولود له منهي عن المضارة فيما يلزمه من النفقة والكسوة، ومنهم من جعل ذلك عاما في كل ما يعود بضرر على الولد من تربيته وتأديبه وتهذيبه وغير ذلك مما يكثر حصره، وقوله:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} منهم من حمل ذلك على وجوب إزالة المضارة ومنهم من حمل عليه وعلى وجوب النفقة، واللفظ محتمل لها.
وقوله:{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا} أي فطاما قبل الحولين وقيل: عنى بالفصال المفاصلة عن الوالدة أو الوالد إذا تراضيا بذلك وسلمه أحدهما إلى صاحبه، وعلق ذلك بالتراضي منهما والتشاور لئلا يقدم أحدهما عن غيرة إلى ما يضر بالولد، ونبه بذلك أن كل أمر مبهم العاقبة، فالوجه فيه الإقدام عليه بعد إجماع الآراء والاستشارة، وقوله:{وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ}، أي إذا امتنعت الأم أو