بل أشرف فضيلة يكتسبها الإنسان، ولهذا قيل عليه الصلاة والسلام:" اللهم اغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك ".
حث الله تعالى المؤمنين على ما رزقهم من النعمى النفسية والبدنية والخارجة، وإن كان الأظهر في التعارف وإنفاق المال، لكن قد يراد به بذلك النفس والبدن في مجاهدة العدو والهوى وسائر العبادات كما تقدم في قوله:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا} ولما كانت الدنيا دار اكتساب وابتلاء، والآخرة دار ثواب وجزاء، بين أن لا سبيل للإنسان إلى تحصيل ما ينتفع به في الآخرة ابتداء، وذكر هذه الثلاثة لأنها أسباب اجتلاب المنافع المقصود إليها أحدها المعاوضة، وأعظمها المبايعة، والثاني: ما يناله بالمودة، وهو المسمى الصلات والهدايا، والثالث: ما يصل إليه بمعاونة الغير، وذلك هو الشفاعة فبين تعالى أن من لم يكتسب في الدنيا ما ينتفع به في الآخرة لم يحصل له ذلك في الآخرة، وعلى هذا قال:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} وقوله {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ}{وَلَا خِلَالٌ} وفي الآية قول آخر وهو أن الناس في عبادة الله تعالى على ثلاثة أضرب، سابق حصل له منزلة الخلة، والمحبة المقصود إليها بنحو قوله:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وغيره من الآيات التي تجري مجراها، وهو الذي يعبد الله لا لرغبته، ولا رهبة، ولا لطلب مثوبة، ومقتصد حصل له منزلة المبايعة المذكورة في قوله:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: