حجة يذكرها، ثم يتركها لظهور فسادها، وذلك مما لا يرتضيه أهل النظر وحجة يذكرها، فيقصر فهم سامعها عن إدراكها، أو يكثر مشاغبته فيها، فيعدل عنها إلي ما هو أوضح، إذ كان كل يتبين الحق وإزالة الشبهة، وهذا ليس بمذموم، وقوله:{أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} قال بعضهم: أراد إبراهيم لأن الله تعالى لا يؤتي الملك الكفرة، لأن ذلك مفسدة ينزه الله تعالى عنها، وأكثر المفسرين على أنه النمروذ وذاك أن السلطان من الأغراض الدنيوية، كالمال، والجاه، والأولاد، وذلك مما يؤتي المؤمن والكافر امتحانا واختباراً ...
إن قيل: أليس قلت: إن الملك اسم لما فيه العدالة، فكيف يصح أن يقال ذلك لما يتوارد للكافر؟
قيل: إن الملك الحقيقي الذي يجوز للإنسان المتسمي به هو ذاك لكن الناس يستعملونه فيمن يتسلط على الناس على أي وجه كان فتسمية الله تعالي إياه بذلك إنما هو على زعمه، وزعم أتباعه، كقوله:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} فسماه عزيزاً لا بالحقيقة لكن على ما كان يتسمى به ...
إن قيل: كيف قال: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، والظالم أولى بأن يُهدى؟
قيل: قد تقدم أنواع الهداية وأحوالها، وأنه قد يراعى في إطلاقها مبدؤها تارة، فتستعمل في الجميع الذي يمكنهم الاهتداء، وعلى ذلك قال {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}، ومرة يعتبر منتهاها الذي هو الاهتداء، فيقال:" هدي الله المؤمنين "، وعلى هذا قوله تعالي:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} فقوله: {لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، أي: لا يقبلون منه هدايته لهم، وإذا لم يقبلوا منه لم يعطهم، وإذا لم يعطهم فهو لم يهدهم، وأيضا فالظلم هاهنا مناف للهداية، فإنه جحود ألاء الله، والامتناع من قبولها والهداية تقتضي تحري العدالة، فإذا الهداية والظلم