وقال بعض الناس: اللام تتعلق بقوله: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ} المذكور من بعد، وهذا لا يصح لأن ما يتعلق بمعمول حرف الشرط لا يقدم عليه، وكذلك ما يتعلق بما بعد حروف العطف، وقد تقدم الكلام في الحصر والإحصار، وأن الإحصار أعم من الحصر، فإن الحصر يقال في منع العدو، والإحصار يقال فيه وفي منع الذي يكون من ذات الإنسان من العقل، أو الهوى، أو المرض، أو الخوف، فكل حصر إحصار، وليس كل إحصار حصراً، ولأجل عموم الإحصار قال قتاده وابن زيد:" منعوا أنفسهم من التجارة خوفاً من الكفار "، وقال السدي:" منعهم الكفار بالخوف وقيل: منعهم المرض، وقيل، حملوا على الحصر.
، وقوله:{لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} أي: ذهابا لمنع العدو إياهم، وقيل، لمنع الله لهم وإلزامهم أنفسهم المرابطة في سبيله، ولم ينف عنهم القدرة، ولكن بين أن إيمانهم وأحوالهم تمنعهم عن الإخلال وكما هم بصدده، كقولك: " أمرني الأمير بكذا، فلا أستطيع أن أخل به "، وقوله تعالى:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ}، أي الجاهل بحالهم، وقيل: إن ذلك فيمن له استغناء في الظاهر وبه فقر في الباطن أو فقر إلى الله لمعرفته بحقائق الأمور، وقوله:{تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ}، أي تتفرس فيهم أحوالهم، وذلك مما يدل على أن للفراسة حكما صادقاً، وعليه دل قوله تعالى:{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} وقوله: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ}، وقوله عليه الصلاة والسلام: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله "
إن قيل: ما وجه ذكر {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ} في ثلاثة مواضع متقاربة وتعليق كل واحد بحكم غير حكم الآخر.
قيل: إنه بين أولاً ما ابتغى به الإنسان وجه الله، فنفعه راجع إلى نفسه، وبيم في الثاني أنه وإن لم يقصد به وجه الله خالصاً، بل قصد به طلب ثواب، أو اتقاء من نار، أو غير ذلك من وجوه المصالح، فله ما قصده، وآتاهم الثواب في الثالث، حيث ذكر الانفاق للفقراء الذين أحصروا،