ما عرفنا هذا منه ولا ادعاه ولا عرف بالعلم ولا يحسن الكتابة ولا خالط اليهود والنصارى، فقال الراهب: هذا هو النبي نفسه. وقيل أن الراهب قال لأبي بكر: وأنت الخليفة من بعده على أهل دينه. فرجع أبو بكر من عند الراهب ولم يشعر أحداً من رفقته بما قال له الراهب، فلما قدم مكة قالت له أمه سلمى أم الخير: ما بلغك ما حدث من صديقك محمد زعم أنه نبي نبأه الله وأرسله إلى قومه وكافة الخلق، فقال لها: وأين هو قالت: بجبل حراء، فأسرع أبو بكر رضي الله عنه نحو الجبل فرأه في غار فسلمّ عليه وقال: بلغني أنك ادعيت النبوة والرسالة، فقال له: لست بمدعٍ، وقد فعل الله ذلك بي، قال له: فما الدليل على صدقك قال: هل خرجت علي كذباً فقال: لا والله، غير أن هذا أمر لا يقبل بغير دليل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دليله ما قاله لك الراهب، قال أبو بكر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، أنا أول متابع لك على هذا الأمر.
وهو أول من أمّ في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وأول من دعي بخليفة وأول من رقي منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشعبي: لما ولي أبو بكر الخلافة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها أيها الناس أني وليتكم ولست بخيركم ولكن نزل القرآن فأدّبنا فتأدبنا، وسنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمنا فتعلمنا، وإن أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق. إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فسددوني. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين.
ولما تم الأمر لأبي بكر رضي الله عنه ارتدت العرب إلا قليلاً منه، وكان قد تنبأ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: الأسود بن كعب العنسي ومسيلمة الكذاب - واسمه ثمامة بن حبيب - وطليحة الأسدي. فأما الأسود فإنه غلب على صنعاء ونجران إلى عمل الطائف واستطار استطارة الحريق فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بقتله فقتله فيروز الديلمي في منزله، وجاء