ولعبد الله المذكور أشعار رائقة وتشبيهات بديعة، فمن ذلك قوله:
سقى المطيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطّالٌ من المطر
فطالما نبّهتني للصّبوح بها ... في غرّة الفجر والعصفور لم يطر
أصوات رهبان ديرٍ في صلاتهم ... سود المدارع نعارين في السحر
مزنّرين على الأوساط قد جعلوا ... على الرؤوس أكاليلاً من الشّعر
كم فيهم من مليح الوجه مكتحل ... بالسحر يطبق جفنيه على حَور
لاحظته بالهوى حتى استقاد له ... طوعاً وأسلفني الميعاد بالنظر
وجاءني في قميص الليل مستتراً ... يستعجل الخطو من خوف ومن حذر
فقمت أفرش خدّي في الطريق له ... ذلاًّ وأسحب أذيالي على الأثر
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدّت من الظُّفر
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر ومن ظريف شعره قوله، ولم أجدها في ديوانه، ولكن الرواة أطبقوا على أنها له، والله أعلم:
ومقَرطَقٍ يسعى إلى النّدماء ... بعقيقةٍ في درّةٍ بيضاء
والبدر في أفق السماء كدرهم ... ملقىً على ياقوتةٍ زرقاء
كم ليلةٍ قد سرّني بمبيته ... عندي بلا خوفٍ من الرّقباء
ومهفهفٍ عقد الشّراب لسانه ... فحديثه بالرّمز والإيماء
حرّكته بيدي وقلت له انتبه ... يا فرحة الخلطاء والنّدماء
فأجابني والسّكر يخفض صوته ... بتلجلجٍ كتلجلج الفأفاء
إني لأفهم ما تقول وإنما ... غلبت عليَّ سلافة الصّهباء
دعني أفيق من الخمار إلى غدٍ ... واحكم بما تختار يا مولائي (١)
(١) سقط البيت من جميع النسخ ما عدا م.