المدينة قال:{لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} ، وعاش بعد قطع رجله ثماني سنين.
وذكر أبو العباس المبرد في كتاب " التعازي " ما مثاله (١) : وقال إسحاق ابن أيوب وعامر بن جعفر بن حفص وسلمة بن محارب: قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ولده محمد بن عروة فدخل محمد دار الدواب فضربته دابة فخر ميتاً، ووقعت في رجل عروة الأكلة ولم يدع ورده تلك الليلة فقال له الوليد: اقطعها فقال: لا، فسرت إلى ساقه فقال له الوليد: اقطعها وإلا أفسدت عليك جسدك فقطها بالمنشار وهو شيخ كبير ولم يمسكه أحد وقال لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً. وقدم تلك السنة قوم من بني عبس فيهم رجل ضرير فسأله الوليد عن عينيه فقال: يا أمير المؤمنين بت ليلة في بطن واد ولا أعلم عبسياً يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيلٌ فذهب بما كان لي من أهل وولد ومال غير بعير وصبي مولود وكان البعير صعباً فند، فوضعت الصبي واتبعت البعير، فلم أجاوز قليلاً حتى سمعت صيحة ابن ورأسه في فم الذئب وهو يأكله، فلحقت البعير لأحبسه فنفحني برجله على وجهي فحطمه وذهب بعيني، فأصبحت لا مال لي ولا أهل ولا ولد ولا بصر؛ فقال الوليد: انطلقوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاء.
وكان أحسن من عزاه إبراهيم بن محمد بن طلحة وقال له: والله ما بك حاجة إلى المشي، ولا أربٌ في السعي، وقد تقدمك عضو من أعضائك وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع للبعض، إن شاء الله تعالى، وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء، وعنه غير أغنياء، ومن علمك ورأيك، نفعك الله وإيانا به، والله ولي ثوابك، والضمين بحسابك.
[وحكى سعيد بن أسد قال: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب قال: كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون ويحتملون، وكان إذا دخله ردد هذه الأية فيه:{ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله}(الكهف: ٣٩) حتى يخرج منه. وكان يقرأ
(١) هذا النص المنقول عن المبرد حت قوله ... بحسابك: سقط من س ل لي م، وانفردت به ر واشار في المسودة إلى أن " التخريجة " تكتب هنا.