ربع القرآن كل يوم نظراً في المصحف ويقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله، ثم عاد من الليلة المقبلة.
وقال ابن قتيبة وغيره: لما دعي الجزار ليقطعها قال له: نسقيك الخمر حتى لا تجد لها ألماً، فقال: لا أستعين بحرام الله على ما أرجو من عافية، قالوا: فنسقيك المرقد، قال: ما أحب أن أسلب عضواً من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلك فأحتسبه، قال: ودخل عليه قوم أنكرهم، فقال: ما هؤلاء قالوا: يمسكونك فإن الألم ربما عزب معه الصبر، قال: أرجو أن أكفيكم ذلك من نفسي، فقطعت كعبه بالسكين حتى إذا بلغ العظم وضع عليها المنشار فقطعت وهو يهلهل ويكبر، ثم أنه أغلي له الزيت في مغارف الحديد فحسم به، فغشي عليه، فأفاق وهو يمسح العرق عن وجهه، ولما رأى القدم بأيديهم دعا بها فقلبها في يده ثم قال: أما والذي حملني عليك إنه ليعلم إني ما مشيت بك إلى حرام، أو قال معصية، ولما دخل ابنه إصطبل الوليد بن عبد الملك وقتلته الدابة كما تقدم لم يسمع في ذلك منه شيء، حتى قدم المدينة فقال: اللهم، إنه كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدة وأبقيت لي ثلاثة، فلك الحمد، وايم الله لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لطالما عافيت] (١) .
ولما قتل أخوه عبد الله قدم عروة على عبد الملك بن مروان فقال له يوماً: أريد أن تعطيني سيف أخي عبد الله، فقال له: هو بين السيوف ولا أميزه من بينها، فقال عروة: إذا حضرت السيوف ميزته أنا، فأمر عبد الملك بإحضارها، فلما حضرت أخذ منها سيفاً مفلل الحد فقال: هذا سيف أخي، وقال عبد الملك: كنت تعرفه قبل الأن فقال: لا، فقال: كيف عرفته قال: بقول النابغة الذبياني:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلولا من قراع الكتائب وعروة هذا هو الذي احتفر بئر عروة التي بالمدينة وهي منسوبة إليه وليس بالمدينة بئر أعزب من مائها.