للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بليدة عند برقة من أعمالها، وكان هو وأبوه يتعاطيان البيزرة والبيطرة، وبذلك تقدما، وكانت وزارة ابن مصال نحواً من خمسين يوماً.

وكان [ابن السلار] شهماً مقداماً مائلاً إلى أرباب الفضل والصلاح، عمر بالقاهرة مساجد، ورأيت بظاهر مدينة بلبيس مسجداً منسوباً إليه، وكان ظاهر التسنن شافعي المذهب، ولما وصل الحافظ أبو طاهر السلفي، رحمه لله تعالى، إلى ثغر الإسكندرية المحروس وأقام به - كما ذكرته في ترجمته (١) - ثم صار العادل المذكور والياً به احتفل به وزاد في إكرامه وعمر له هناك مدرسة فوض تدريسها إليه، وهي معروفة به إلى الآن، ولم أر بالإسكندرية مدرسة للشافعية سواها.

وكان مع هذه الأوصاف ذا سيرة جائرة وسطوة قاطعة يؤاخذ الناس بالصغائر والمحقرات. ومما يحكى عنه أنه قبل وزراته بزمان، وهو يومئذ من آحاد الأجناد، دخل يوما على الموفق أبي الكرم ابن معصوم التنيسي، وكان يتولى (٢) الديوان، فشكا إليه حاله من غرامة لزمته بسبب تفريطه في شيء من لوازم الولاية بالغربية، فلما أطال عليه الكلام قال له أبو الكرم: والله إن كلامك ما يدخل في إذني، فحقد عليه ذلك. فلما ترقى إلى درجة الوزارة طلبه، فخاف منه واستتر مدة، فنادى عليه في البلد، وأهدر دم من يخفيه، فأخرجه الذي خبأه عنده، فخرج في زي امرأة بإزار وخف، فعرف فأخذ وحمل إلى العادل، فأمر بإحضار لوح خشب ومسمار طويل وأمر به فألقي على جنبه وطرح اللوح تحت أذنه، ثم ضرب المسمار في الأذن الأخرى وصار كلما صرخ يقول له: دخل كلامي في أذنك بعد أم لا ولم يزل كذلك حتى نفذ المسمار من الأذن التي على اللوح، ثم عطف المسمار على اللوح ويقال: إنه شنقه بعد ذلك.

وكان قد وصل من إفريقية إلى الديار المصرية أبو الفضل عباس بن أبي الفتوح ابن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس الصنهاجي (٣) وهو صبي ومعه أمه واسمها بلارة فتزوجها العادل المذكور وأقامت عنده زماناً، ورزق عباس ولداً سماه نصراً


(١) انظر المجلد الأول: ١٠٥.
(٢) كذا في ر والمسودة؛ ظاهر من كتابها في المسودة أنها مغيرة؛ وفي سائر النسخ: مستوفي.
(٣) الصنهاجي: فوقها " معاً " في المسودة، أي بكسر الصاد وضمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>