للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويلك! بأي وجه تلقاني فقال: بالوجه الذي ألقى به الله عز وجل وذنوبي إليه أكثر من ذنوبي إليك، فضحك ووصله (١) .

ومن كلامه: ماسرور الموعود بالفائدة كسروري بالإنجاز.

وقيل له: ما أحسن كرمك لولا تيه فيك، فقال: تعلمت الكرم والتيه من عمارة بن حمزة (٢) . فقيل له: وكيف ذلك فقال: كان أبي عاملا على بعض كور بلاد فارس، فانكسرت عليه جملة مستكثرة، فحمل إلى بغداد، وطولب بالمال، فدفع جميع ما يملكه، وبقيت عليه ثلاثة آلاف ألف درهم لا يعرف لها وجها، والطلب عليه حثيث، فبقي حائرا في أمره، وكانت بينه وبين عمارة بن حمزة منافرة ومواحشة، لكنه علم أنه ما يقدر على مساعدته إلا هو، فقال لي يوما وأنا صبي: امض إلى عمارة وسلم عليه عني وعرفه الضرورة التي قد صرنا إليها واطلب منه هذا المبلغ على سبيل القرض إلى أن يسهل الله تعالى باليسرة، فقلت له: أنت تعلم ما بينكما، وكيف أمضي إلى عدوك بهذه الرسالة وأنا أعلم أنه لو قدر على إتلافك لأتلفك فقال: لا بد أن تمضي إليه لعل الله يسخره ويوقع في قلبه الرحمة، قال الفضل: فلم يمكني معاودته (٣) ، وخرجت وأنا أقدم رجلا وأؤخر (٤) أخرى، حتى أتيت داره واستأذنت في الدخول عليه، فأذن لي، فلما دخلت وجدته في صدر إيوانه متكئا على مفارش وثيرة، وقد غلف سعر رأسه ولحيته بالمسك، ووجهه إلى الحائط وكان من شدة تيهه لا يقعد إلا كذلك، قال الفضل: فوقفت (٥) أسفل الإيوان، وسلمت عليه فلم يرد السلام، فسلمت عليه عن أبي وقصصت عليه


(١) ومن مناقبه ... ووصله: ورد منه جزء يسير في م، وثبت جميعه في المختار والنسخة ر وسقط من سائر النسخ.
(٢) انظر عن عمارة بن حمزة، معجم الأدباء ١٥: ٢٤٢ والهدايا والتحف: ١٤٣ ومواضع متفرقة من الجهشياري؛ وقصة الفضل وتشبه بعمارة في الفرج بعد الشدة ٢: ٦٥.
(٣) ر: مخالفته.
(٤) ر والمختار: مقدم ... ومؤخر.
(٥) ن: فمشيت إلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>