للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصة، فسكت (١) ساعة ثم قال: حتى ننظر، فخرجت من عنده نادما على نقل خطاي إليه، موقنا بالحرمان عاتبا على أبي كونه كلفني إذلال نفسي بما لا فائدة فيه، وعزمت على أن لا أعود إليه غيظا منه، فغبت عنه ساعة ثم جئته وقد سكن ما عندي، فلما وصلت إلى الباب وجدت أبغالا محملة، فقلت: ما هذه فقيل: إن عمارة قد سير المال (٢) ، فدخلت على أبي ولم أخبره بشيء مما جرى لي معه كيلا أكدر عليه إحسانه، فمكثنا قليلا، وعاد أبي إلى الولاية وحصلت له أموال كثيرة، فدفع إلي ذلك المبلغ وقال: تحمله إليه، فجئت به ودخلت عليه، فوجدته على الهيئة الأولى، فسلمت عليه فلم يرد، فسلمت عليه عن أبي وشكرت إحسانه وعرفته بوصول المال، فقال لي بحرد: ويحك أقسطارا كنت لأبيك اخرج عني لا بارك الله فيك، وهو لك، فخرجت ورددت المال إلى أبي وعجبنا من حاله، فقال لي: يا بني، والله ما تسمح نفسي لك بذلك، ولكن خذ ألف ألف درهم واترك لأبيك ألفي ألف درهم، فتعلمت منه الكرم والتيه.

[وحكى الجهشياري في " أخبار الوزراء " (٣) هذه الحكاية، لكن بين الحكايتين اختلاف قليل، وذكر أن جملة المال ألف ألف درهم، وكان ذلك في أيام المهدي، وكان يحيى قد ضمن فارس فانكسر عليه المال، وقال المهدي لمن يطالبه بالمال: إن أدى لك المال قبل المغرب من يومنا هذا وإلا فأتني برأسه، وكلن المهدي مغضبا عليه] (٤) .

والقسطار: الصيرفي (٥) .

وعمارة المذكور من أولاد عكرمة مولى ابن عباس، وقد تقدم ذكره، وكان


(١) ر: وسكت فسكت.
(٢) المختار: قد سير إلى يحيى المال.
(٣) الجهشياري: ١٩٧.
(٤) ما بين معقفين ورد في ر وحدها.
(٥) القسطار: تعريب للفظة اللاتينية quaestor وهو موظف كانت إليه جباية الخراج أو أمانة المال.

<<  <  ج: ص:  >  >>