للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضربوه أشد الضرب، وهم لا يحسنون (١) الضرب، فكادوا أن يتلفوه، وتركوه. وكان هناك رجل بصير بالعلاج فطلبوه لمعالجته، فلما رآه قال: يكون قد ضربوه خمسين سوطا، فقيل: بل مائتي سوط، فقال: ما هذا إلا أثر خمسين سوطا لا غير، ولكن يحتاج أن ينام على ظهره على بارية وأدوس صدره، فجزع الفضل من ذلك ثم أجاب إليه، فألقاه على ظهره وداسه، ثم أخذ بيده وجذبه عن البارية، فتعلق بها من لحم ظهره شيء كثير، ثم أقبل يعالجه، إلى أن نظر يوما إلى ظهره، فخر المعالج ساجدا لله تعالى، فقيل له: ما بالك فقال: قد برئ وقد نبت في ظهره لحم حي، ثم قال: ألست قلت هذا ضرب خمسين سوما، أما والله لو ضرب ألف سوط ما كان أثرها بأشد من هذا الأثر، وإنما قلت ذلك حتى تقوى نفسه (٢) فيعينني على علاجه (٣) .

ثم إن الفضل اقترض من بعض أصحابه عشرة آلاف درهم (٤) وسيرها له (٥) ، فردها عليه، فاعتقد أنع قد استقلها، فقترض عليها عشرة آلاف أخرى وسيرها فأبى أن يقبلها وقال: ما كنت لآخذ على معالجة فتى من الكرام كراء، والله لو كانت عشرين ألف دينار ما قبلتها، فلما بلغ ذلك الفضل قال: والله إن الذي فعله هذا أبلغ من الذي فعلناه في جميع أيامنا من المكارم، وكان قد بلغه ان ذلك المعالج كان في شدة وضائقة.

وكان الفضل ينشد وهو في السجن هذه الأبيات، وأظنها لأبي العتاهية، ثم وجدتها لصالح بن عبد القدوس من جملة أبيات قالها وهو محبوس، وقيل إنها لعلي بن الخليل، وكان هو وصالح المذكور يتهمان بالزندقة، فحبسهما الخليفة المهدي بن المنصور، فقال هذه الأبيات (٦) :


(١) ل: يحسبون.
(٢) لي: يقوى على نفسه.
(٣) لي: معالجته.
(٤) ر: درهم أخرى.
(٥) ن: وأرسلها إليه.
(٦) ثم وجدتها ... الأبيات: سقط من س ل لي بر.

<<  <  ج: ص:  >  >>