للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحدث (١) أبو الفرج الأصبهاني صاحب كتاب " الأغاني " (٢) أن كثيرا خرج من عند عبد الملك بن مروان وعليه مطرف، فاعترضته عجوز في الطريق اقتبست نارا في روثة، فتأفف كثير في وجهها، فقالت: من أنت قال: كثير عزة، فقالت: ألست القائل:

فما روضة زهراء طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها

بأطيب من أردان عزة موهنا ... إذا أوقدت بالمندل الرطب نارها فقال لها كثير: نعم، فقالت: لو وضع المندل الرطب على هذه الروثة لطيب رائحتها، هلا قلت كما قال امرؤ القيس:

ألم ترياني كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب فناولها المطرف وقال: استري علي هذا.

[وسمعت بعض مشايخ الأدب في زمن اشتغالي بالأدب يقول: إن النصف الثاني من البيت الثاني من تتمة أوصاف الروضة أيضا، فكأنه قال: إن هذه الروضة الطيبة الثرى التي يمج الندى جثجاثها وعرارها إذا أوقدت بالمندل الرطب نارها ما هي بأطيب من أردان عزة وعلى هذا لا يبقى عليه اعتراض، لكنه يبعد أن يكون هذا مقصوده] (٣) .

وكان كثير (٤) ينسب إلى الحمق، ويروى أنه دخل يوما على يزيد بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، ما يعني الشماخ بقوله:

إذا الأرطى توسد أبرديه ... خدود جوازئ بالرمل عين (٥)


(١) ر: وقال.
(٢) الأغاني ١٥: ٢٢٥.
(٣) ما بين معقفين لم يرد إلا في المختار، وقد أثبتناه كذلك للتنبيه إليه وإلا فإنه من أصل المؤلف، ولا بد.
(٤) الشعر والشعراء: ٤١٠.
(٥) الأرطى: نوع من الشجر؛ أبرداه: ظله وفيثه، الجوازئ: التي جزأت بالرطب عن الماء، العين: ذوات الأعين النجل، يصف بقر وحش جزأت بالطرب عن الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>