فلم تزل دائبا تسعى لتنقذني ... حتى استللت حياتي من يدي أجلي وكان العتابي منقطعا إلى البرامكة، ومنصور النمري روايته وتلميذه.
قال أبو دعامة الشاعر: كتب طوق بن مالك إلى العتابي يستزيره ويدعوه إلى أن يصل القرابة بينه وبينه، فرد عليه: إن قريبك من قرب منك خيره وابن عمك من عمك نفعه وإن عشيرك من أحسن عشرتك وإن أحب الناس إليك أجراهم بالمنفعة عليك، ولذلك أقول:
ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم ... وخبرت ما وصلوا من السباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا ... وإذا المودة أكبر الأنساب قيل للعتابي: انك تلقى العامة ببشر وتقريب فقال: رفع ضغينة بأيسر مؤنة واكتساب إخوان بأهون مبذول.
ولما قدم العتابي مدينة السلام على المأمون أذن له فدخل وعنده إسحاق الموصلي، وكان العتابي شيخا جليلا نبيلا، فسلم فرد عليه وأدناه وقربه حتى قرب منه فقبل يده، ثم أمره بالجلوس فجلس، ثم أقبل عليه يسأله عن حاله وهو يجيبه بلسان طلق، فاستطرف المأمون ذلك منه فأقبل عليه بالمداعبة بالمزح، فظن الشيخ أنه استخف به فقال: يا أمير المؤمنين، الإيناس قبل الإبساس، فاشتبه على المأمون قوله فنظر إلى إسحاق مبتسما فأومأ إليه بعينه وغمزه على معناه حتى فهمه ثم قال: يا غلام، ألف دينار، فأتي بذلك فوضعه بين يدي العتابي وأخذوا في الحديث، ثم غمز المأمون إسحاق بن إبراهيم عليه، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق بن إبراهيم، فبقي العتابي متعجبا ثم قال: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في مسألة هذا الشيخ عن اسمه قال: نعم سله، فقال إسحاق: يا شيخ، من أنت وما اسمك قال: أنا من الناس واسمي كل بصل، فتبسم العتابي ثم قال: أما النسب فمعروف وأما الاسم فمنكر، فقال له إسحاق: ما أقل انصافك! أتنكر أن يكون اسمي كل بصل واسمك كل ثوم وما كلثوم من الأسماء أو ليس البصل أطيب من الثوم فقال له العتابي لله درك ما أحجك، أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن