للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيجيب عنه، ثم يترك سنة ويسأل عنه فيجيب بذلك الجواب بعينه. ومما جرى له في ذلك أن جماعة قصدوه للأخذ عنه، فتذكروا في طريقهم عند قنطرة هناك إكثاره، وأنه منسوب إلى الكذب بسبب ذلك، فقال أحدهم: أنا أصحف له اسم هذه القنطرة وأسأله عنها، فانظروا ماذا يجيب، فلما دخلوا عليه قال له: أيها الشيخ ما القبطرة (١) عند العرب فقال: كذا وكذا، فتضاحكت الجماعة سرا، وتركوه شهرا (٢) ، ثم قرروا مع شخص سأله عن القبطرة بعينها فقال: أليس سئلت عن هذه المسألة منذ مدة كذا وكذا وأجبت عنها بكذا وكذا فعجب الجماعة من فطنته وذكائه واستحضاره للمسألة والوقت وإن لم يتحققوا صحة ما ذكره.

وكان معز الدولة بن بويه قد قلد شرطة بغداد لغلام له اسمه خواجا، فبلغ أبا عمر الخبر، وكان يملي كتاب اليواقيت فلما جلس للإملاء قال: اكتبوا ياقوتة خواجا، الخواج في أصل لغة العرب: الجوع، ثم فرع على هذا بابا وأملاه، فاستعظم الناس ذلك من كذبه، وتتبعوه في كتب اللغة. قال أبو علي الحاتمي الكاتب اللغوي: أخرجنا في أمالي الحامض عن ثعلب عن ابن الأعرابي الخواج: الجوع.

وكان أبو عمر المذكور يؤدب ولد القاضي أبي عمر محمد بن يوسف فأملى يوما على الغلام نحوا من مائة مسألة في اللغة وذكر غريبها وختمها ببيتين من الشعر، وحضر أبو بكر ابن دريد وأبو بكر ابن الأنباري وأبو بكر ابن مقسم عند القاضي أبي عمر، فعرض عليهم تلك المسائل، فما عرفوا منها شيئا وأنكروا الشعر، فقال لهم القاضي: ماتقولون فيها فقال ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف مشكل القرآن ولست أقول شيئا، وقال ابن مقسم مثل ذلك، واحتج باشتغاله بالقراءات، وقال ابن دريد: هذه المسائل من موضوعات أبي عمر، ولا


(١) كذا في س لي؛ وفي ر ن من: القنطرة، والباء أو النون غير معجمة في ل بر؛ وفي المطبوعة المصرية " ما الهرطنق " وكذلك في معجم ياقوت؛ وهذا ليس تصحيفاً وإنما هو قلب؛ وفي أصل القفطي " القنطرة " وغيره المحقق ليوافق ما في ياقوت.
(٢) س ل لي بر: أشهراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>