للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعدائكم ما كنتم تصنعون قالوا: كنا نقدم أنفسنا بين يديه للموت، قالوا: من هو قال: ضيفكم - يعني نفسه - فقالوا: السمع الطاعة، وكانوا يغالون في تعظيمه؛ فأخذ عليهم العهود والمواثيق واطمأن قلبه، ثم قال لهم: استعدوا لحضور هؤلاء بالسلاح، فإذا جاءوكم فأجروكم على عاداتهم وخلوا بينهم وبين النساء وميلوا عليهم بالخمور، فإذا سكروا فأذوني بهم، فلما حضر (١) المماليك وفعل بهم أهل الحبل ما أشار به محمد، وكان ليلاً، فأعلموه بذلك، فأمر بقتلهم بأسرهم، فلم يمض من الليل سوى ساعة حتى أتوا على آخرهم، ولم يفلت منهم سوى مملوك واحد كان خارج المنازل لحاجة له، فسمع التكبير عليهم والوقع فهرب من غير الطريق حتى خلص من الحبل ولحق بمراكش وأخبر الملك بما جرى، فدنم على فوات محمد من يده، وعلم أن الحزم كان مع ملك بن وهيب فيما أشار به، فجهز من وقته خيلاً بمقدار ما يسع وادي تين مل فإنه ضيق المسلك، وعلم محمد أنه لا بد من عسكر يخرج إليهم، فأمر أهل الجبل بالقعود على أنقاب الوادي ومراصده (٢) ، واستنجد لهم بعض المجاورين، فلما وصلت الخيل إليهم أقبلت عليهم الحجارة من جانبي الوادي مثل المطر، وكان ذلك من أول النهار إلى آخره، وحال بينهم الليل، فرجع العسكر إلى الملك وأعلموه بما تم لهم، فعلم أنه لا طاقة له بأهل الجبل لتحصنهم، فأعرض عنهم.

وتحقق محمد ذلك منه، وصفت له مودة أهل الجبل، فعند ذلك استدعى الونشريسي المذكور وقال له: هذا أوان إظهار فضائلك دفعة واحدة. ليقوم لك مقام المعجزة لنستميل بك قلوب من لا يدخل في الطاعة، ثم اتفقنا على أنه يصلي الصبح ويقول بلسان فصيح بعد استعمال العجمة واللكنة في تلك المدة: إني رأيت البارحة في منامي وقد نزل بي ملكان من السماء وشقا فؤادي وغسلاه وحشياه علماً وحكمة وقرآناً، فلما أصبح فعل ذلك، وهو فصل يطول شرحه، فانقاد له كل صعب القياد، وعجبوا من حاله وحفظه القرآن


(١) المختار، ر ن: حضروا.
(٢) ن: ومراصدة من يحضر.

<<  <  ج: ص:  >  >>