للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصامدة، فخرجوا إليه ونزلوا عليه، وأخبروا محمد خبرهم وأطلعه على مقصدهم وما جرى لهم عند الملك، فقال عبد الحق: هذا الموضع لا يحميكم، وإن أحصن الموضع المجاورة لهذا البلد تين مل، وبيننا وبينها مسافة يوم في هذا الجبل، فانقطعوا في برهة ريثما ينسى ذكركم، فلما سمع محمد بهذا الإسم تجدد (١) له ذكر اسم الموضع الذي رآه في كتاب الجفر، فقصده مع أصحابه، فلما أتوه رآهم أهله على تلك الصورة فعلموا أنهم طلاب العلم، فقاموا إليهم وأكرموهم وتلقوهم بالترحاب وأنزلوهم في أكرم منازلهم، وسأل الملك عنه بعد خروجهم من مجلسه فقيل له: إنهم سافروا، فسره ذلك وقال: تخلصنا من الإثم بحبسهم.

ثم إن أهل الجبل تسامعوا بوصول محمد إليهم، وكان قد سار فيهم ذكره، فجاءوه من كل فج عميق وتبركوا بزيارته، وكان كل من أتاه استناه وعرض عليه ما في نفسه من الخروج على الملك، فإن أجابه أضافه إلى خواصه، وان خالفه أعرض عنه. وكان يستميل الأحداث وذوي العزة (٢) ، وكان ذو العقل والعلم والحلم من أهاليهم ينهونهم ويحذرونهم من اتباعه ويخوفونهم (٣) من سطوة الملك، فكان لا يتم له مع ذلك حال. وطالت المدة وخاف محمد من مفاجأة الأجل قبل بلوغ الأمل، وخشي أن يطرأ على أهل الجبل من جهة الملك ما يحوجهم إلى تسليمه إليه والتخلي عنه، فشرع في إعمال الحيلة فيما يشاركونه فيه ليعصوا على الملك بسببه، فرأى بعض أولاد القوم شقراً زرقاً، وألوان آبائهم السمرة والكحل، فسألهم عن سبب ذلك فلم يجيبوه، فألزمهم بالإجابة فقالوا: نحن من رعية الملك وله علينا خراج، وفي كل سنة تصعد مماليكه إلينا ينزلون في بيوتنا ويخرجونا عنها ويخلون بمن فيها من النساء، فتأتي الأولاد على هذه الصفة، وما لنا قدرة في دفع ذلك عنا، فقال محمد: والله إن الموت خير من هذه الحياة، وكيف رضيتم بهذا وأنتم أضرب خلق الله بالسيف وأطعنهم بالرمح والحربة فقالوا: بالرغم لا بالرضا، فقال: أرأيتم لو أنا ناصراً نصركم على


(١) ق والمختار: تحدد.
(٢) وكان يستميل ... الغرة: سقط من ر ق والمختار؛ بر من: الغرارة.
(٣) ت مج بر من: ويخيفونهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>