للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحة هذا القول عنه، ليعلم بتعريه عن هذه الصفة أنه مغرور بما تقولون له وتضرونه (١) به، مع علمكم أن الحجة عليه متوجهة، فهل بلغك يا قاضي أن الخمرة تباع جهاراً وتمشي الخنازير بين المسلمين، وتؤخذ أموال اليتامى وعدد من ذلك شيئاً كثيراً.

فلما سمع الملك كلامه ذرفت عيناه وأطرق حياء، ففهم الحاضرون من فحوى كلامه انه طامع في المملكة لنفسه، ولما رأوا سكوت الملك وانخداعه لكلامه لم يتكلم أحد منهم، فقال مالك بن وهيب، وكان كثير الاجتراء على الملك: أيها الملك، إن عندي لنصيحة إن قبلتها حمدت عاقبتها، وإن تركتها لم تأمن غائلتها، فقال الملك: ما هي قال: إني خائف عليك من هذا الرجل، وأرى أنك تعتقله وأصحابه، وتنفق عليهم كل يوم ديناراً لتكتفي شره، وإن لم تفعل ذلك لتنفقن عليه (٢) خزائنك كلها، ثم لا ينفعك ذلك. فوافقه الملك على ذلك، فقال له وزيره: يقبح منك أن تبكي من موعظة هذا الرجل ثم تسيئ إليه في مجلس واحد، وأن يظهر منك الخوف منه مع عظم ملكك، وهو رجل فقير لا يملك سد جوعه، فلما سمع الملك كلامه أخذته عزة النفس واستهون أمره وصرفه، وسأله الدعاء.

وحكى صاحب كتاب " المغرب في أخبار أهل المغرب " أنه لما خرج من عند الملك لم يزل وجهه تلقاء وجهه إلى أن فارقه، فقيل له: نراك قد تأدبت مع الملك إذ لم توله ظهرك، فقال: أردت أن لا يفارق وجهي الباطل حتى أغيره ما استطعت (٣) ؛ انتهى كلامه.

فلما خرج محمد وأصحابه من عند الملك قال لهم: لا مقام لنا بمراكش مع وجود مالك بن وهيب، فلما نأمن من أن يعاود الملك في أمرنا فينالنا منه مكروه، وإن لنا بمدينة أغمات أخاً في الله، فنقص المرور به فلن نعدم منه رأياً ودعاء صالحاً، واسم هذا الشخص عبد الحق بن إبراهيم، وهو من فقهاء


(١) ق بر من: وتطرونه.
(٢) مج بر من المختار: لتنفقن عليك.
(٣) ت مج بر من: ما استطعت حتى أغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>