للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد ذلك بقليل ملكوا نيسابور، إحدى قواعد خراسان، في شهر رمضان في السنة المذكورة، وكان السلطان طغرلبك المذكور كبيرهم، وإليه الأمر والنهي في السلطنة، وأخذ أخوه داود المذكور مدينة بلخ، وهو والد ألب أرسلان - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - واتسع لهم الملك واقتسموا البلاد، وانحاز مسعود إلى غزنة وتلك النواحي، وكانوا يخطبون له في أول الأمر، وعظم شأنهم إلى أن أرسلهم الإمام القائم بأمر الله، وكان الرسول الذي أرسلهم إليهم القاضي أبا الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، مصنف " الحاوي " في الفقه - وقد تقدم ذكره (١) - ثم ملك بغداد والعراق، في سادس عشر شهر رمضان المعظم، سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وأوصاهم بتقوى الله تعالى والعدل في الرعية والرفق بهم وبث الإحسان إلى الناس.

وكان طغرلبك حليماً كريماً محافظاً على الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة، وكان يصوم الإثنين والخميس ويكثر من الصدقات ويبني المساجد، ويقول: أستحي من الله سبحانه وتعالى أن أبني لي داراً ولا أبني إلى جانبها مسجداً. ومن محاسنه المسطورة أنه سير الشريف ناصر بن إسماعيل رسولاً إلى ملكة الروم، وكانت إذا ذاك امرأة كافرة، فاستأذنها الشريف في الصلاة بجامع القسطنطينية جماعة يوم الجمعة، فأذنت له في ذلك، فصلى وخطب للإمام القائم، وكان رسول المستنصر العبيدي صاحب مصر حاضراً فأنكر ذلك، وكان من أكبر الأسباب في فساد الحال بين المصريين والروم.

ولما تمهدت له البلاد وملك العراق وبغداد، سير إلى الإمام القائم وخطب ابنته، فشق على القائم ذلك واستعفى منه، وترددت الرسل بينهما، ذكر ذلك في " الشذور " سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، فلم يجد من ذلك بداً فزوجه بها، وعقد العقد بظاهر مدينة تبريز، ثم توجه إلى بغداد في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، ولما دخلها سير طلب الزفاف وحمل مائة ألف دينار برسم حمل القماش ونقله، فزفت إليه ليلة الإثنين خامس عشر صفر بدار المملكة، وجلست على سرير ملبس بالذهب، ودخل إليها السلطان فقبل الأرض بين يديها ولم يكشف


(١) انظر ج ٣: ٢٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>