أمير المؤمنين أن يجلس له ولأخيه سنجر، فأجيب إلى ذلك، وجلس لهما في قبة التاج وحضر أرباب المناصب وأتباعهم وجلس أمير المؤمنين على سدته، ووقف سيف الدولة صدقة بن مزيد صاحب الحلة عن يمين السدة، وعلى كتفه بردة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسه العمامة وبين يديه القضيب، وأفيض على محمد الخلع السبع التي جرت عادة السلاطين بها، وأبس الطوق والتاج والسوارين، وعقد له الخليفة اللواء بيده وقلده سيفين، وأعطاه خمسة أفراس بمراكبها، وخلع على أخيه سنجر خلعة أمثاله، وخطب لمحمد بالسلطنة في جامع بغداد كجاري عادتهم في ذلك الزمان وتركوا الخطبة لبركياروق لسبب اقتضى ذلك، ولا حاجة لشرحه لطوله، قال محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه: وكان ذلك في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وقال صاحب تاريخ السلجوقية: أقيمت الخطبة ببغداد للسلطان محمد في سابع عشر ذي الحجة من سنة اثنتين وتسعين واربعمائة، ووافقه على ذلك غيره؛ ثم قال الهمداني: وكان من الاتفاق العجيب أن خطيب جامع القصر ببغداد لما بلغ إلى الدعاء للسلطان بركياروق، وأراد أن يذكره، سبق لسانه للسلطان محمد ودعا له، فأتى أصحاب بركياروق وشنعوا بما جرى في الديوان العزيز، فعزل الخطيب لهذا السبب ورتبوا ولده موضعه، فلم تتأخر خطبة السلطان محمد عن هذه الواقعة إلا أياماً قلائل، وكان ذلك فألاً للسلطان محمد، وأما بركياروق فإنه كان مريضاً وانحدر إلى واسط، ثم قوي أمره واستظهر، وجرى بينه وبين أخيه محمد مصاف على الري، وانكسر محمد، وبالجملة فإن شرح ذلك يطول.
وكان السلطان محمد المذكور رجل الملوك السلجوقية وفحلهم، وله الآثار الجميلة والسيرة الحسنة، والمعدلة الشاملة، والبر للفقراء والأيتام، والحرب للطائفة الملحدة والنظر في أمور الرعية.
وذكره أبو البركات ابن المستوفي في " تاريخ إربل " وذكر أنه وصل إليها في تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، ورحل عنها متوجهاً إلى الموصل في ثاني عشر الشهر المذكور، ثم قال: ووجدت في كتاب ذكره الإمام أبو حامد الغزالي في مخاطبته السلطان محمد بن ملكشاه: اعلم يا سلطان