للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالم أن بني آدم طائفتين: طائفة غفلاء نظروا إلى مشاهد حال الدنيا، وتمسكوا بتأميل العمر الطويل، ولم يتفكروا في النفس الأخير، وطائفة عقلاء جعلوا النفس الأخير نصب أعينهم، لينظروا إلى ماذا يكون مصيرهم، وكيف يخرجون من الدنيا ويفرقونها وإيمانهم سالم، وما الذي ينزل من الدنيا في قبورهم، وما الذي يتركون لأعيادهم من بعدهم ويبقى عليهم وباله ونكاله.

ثم إن السلطان محمداً استقل بالمماليك بعد موت أخيه بركياروق - في التاريخ المذكور في ترجمته - ولم يبق له منازع وصفت له الدنيا، وأقام على ذلك مدة، ثم مرض زماناً طويلاً، وتوفي يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى عشرة وخمسمائة بمدينة أصبهان، وعمره سبع وثلاثون سنة وأربعة أشهر وستة أيام، وهو مدفون بأصبهان في مدرسة عظيمة، وهي موقوفة على الطائفة الحنفية، وليس بأصبهان مدرسة مثلها. ولما أيس من نفسه (١) أحضر ولده محمداً - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - فقبله وبكى كل واحد منهما، وأمره أن يخرج ويجلس على تخت السلطنة وينظر في أمور الناس، فقال لوالده: إنه يوم غير مبارك، يعني من طريق النجوم، فقال: صدقت، ولكن على أبيك، وأما عليك فمبارك بالسلطنة. فخرج وجلس على التخت بالتاج والسوارين، ولم يخلف أحد من الملوك السلجوقية ما خلفه من الذخائر وأصناف الموال والدواب وغير ذلك مما يطول شرحه، رحمه الله تعالى؛ وسيأتي ذكر والده في هذا الحرف، إن شاء الله تعالى.

(٢١٧) وتزوج الإمام المقتفي أمر الله فاطمة ابنة السلطان محمد المذكور، وكان الوكيل في قبول النكاح الوزير شرف الدين أبا القاسم علي ابن طراد الزينبي، وذلك في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وحضر أخوها مسعود العقد، ونقلت (٢) فاطمة ابنة السلطان المذكورة إلى دار الخلافة للزفاف سنة أربع وثلاثين، ويقال إنها كانت تقرأ وتكتب، ولها التدبير الصائب، وسكنت في الموضع المعروف بدركاه خاتون، وتوفيت في عصمته يوم السبت الثاني والعشرين من شهر ربيع


(١) ق: حياته.
(٢) ق: ودخلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>