وشرع في عمارة البلاد واستخراج الأموال من جهاتها، وكان سلطاناً عظيم القدر جميل الذكر محباً للعلماء متمسكاً بالسنة النبوية حسن الاعتقاد معاشراً لأرباب الفضائل حازماً في أموره، لا يضع الشيء إلا في موضعه من غير إسراف ولا إقتار؛ وكانت تبيت عنده كل ليلة جمعة جماعة من الفضلاء، ويشاركهم في مباحثاتهم، ويسألهم عن المواضع المشكلة من كل فن، وهو معهم كواحد منهم، وكان يعجبه هذا البيتان وينشدهما كثيراً، وهما:
ما كنت من قبل ملك قلبي ... تصد عن مدنف حزين
وإنما قد طمعت لما ... حللت في موضع حصين وبنى بالقاهرة دار حديث ورتب لها وقفاً جيداً، وكان قد بنى على ضريح الإمام الشافعي، رضي الله عنه، قبة عظيمة، ودفن أمه عنده، وأجرى إليها من ماء النيل، ومدده بعيد، وغرم على ذلك جملة عظيمة.
ولما مات أخوه الملك المعظم صاحب الشام - في التاريخ المذكور في ترجمته - وقام ولده الملك الناصر صلاح الدين داود مقامه، خرج الملك الكامل من الديار المصرية قاصداً أخذ دمشق منه، وجاءه أخوه الملك الأشرف مظفر الدين موسى - الآتي ذكره بعده إن شاء الله تعالى - فاجتمعا على أخذ دمشق - بعد فصول جرت يطول شرحها - وملك دمشق في أول شعبان سنة ست وعشرين وستمائة، وكان يوم الاثنين، فلما ملكها دفعها إلى أخيه الملك الأشرف، وأخذ عوضها من بلاد الشرق حران والرها وسروج والرقة ورأس عين، وتوجه إليها بنفسه في تاسع شهر رمضان المعظم من السنة المذكورة.
واجتزت بحران في شوال سنة ست وعشرين وستمائة، والملك الكامل مقيم بها بعساكر الديار المصرية، وجلال الدين خوارزم شاه يوم ذاك يحاصر خلاط، وكانت لأخيه الملك الأشرف، ثم رجع إلى الديار المصرية.
ثم تجهز (١) في جيش عظيم وقصد آمد في سنة تسع وعشرين وستمائة، فأخذها مع حصن كيفما وتلك البلاد من الملك المسعود ركن الدين مودود بن الملك الصالح