وكان " الفرنج " قد ساروا عن دمياط في الفارس والراجل، وقصدوا الملك الكامل فنزلوا مقابله، وبينهما بحر أشموم وهم يرمون بمناجيقهم وجروخهم إلى عساكر المسلمين، وتيقنوا وكل الناس أنهم يملكون الديار المصرية، فوصل الشرف وتلقاه أخوه الكامل والمعظم، واستبشروا به وكافة المسلمين وتوقعوا النصرة على الأعداء الكافرين، ووقع الاتفاق أن يبعثوا في بحر المحلة أسطولاً يدخل إلى بحر دمياط ليمنع الميرة عن الفرنج، وأمر السلطان بنصب الجسور وعبر عليها المسلمون إلى جزيرة، شرمساح التي الفرنج مخيمون عليها، وكسروا النيل عليها؛ وكان النيل في زيادته، فركب الماء أكثر تلك الأرض، ولم يبق للفرنج جهة يسلكونها، غير جهة واحدة ضيقة إن أرادوا العود إلى دمياط، وعبرت العساكر وملكوا الطريق، ولم يبق لهم خلاص، وأيقنوا بالهلكة، فراسلوا السلطان الملك الكامل يبذلون له النزول عن دمياط على أن يؤمنهم، فأجابهم إلى ذلك، وشرط عليهم إطلاق من في أيديهم من أسرى المسلمين، وأخذ منهم رهائن ملوكهم على تسليم البلد، وتقرر بينهم صلح مدة ثمان سنين، وتسلم السلطان دمياط يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من جرب، فكانت مدة ملك الفرنج لها سنة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يوماً؛ وكان يوماً مشهوداً؛ ومن العجيب أن المسلمين لما تسلموها وصلت الفرنج نجدة في البحر فلو سبقوا المسلمين إليها لامتنعوا من تسليم دمياط ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. فلما دخلها المسلمون لم يجدوا فيها من أهلها إلا آحاداً، فبعضهم سار عنها باختياره، وبعضهم مات. وكان الفرنج قد حصنوها تحصيناً عظيماً بحيث بقيت لا ترام ولا يوصل إليها؛ وأعاد الله سبحانه وتعالى الحق إلى نصابه ورده إلى أربابه، فالله المحمود المشكور على ما أنعم به على الإسلام والمسلمين من كف عادية هذا العدو، وكفاهم شره.
منقبة للملك الكامل جرت في هذه النوبة: لما وقع الحصار على مدينة دمياط اتفق أن علجاً منهم، لعنه الله، قد ألهج لسانه بسبب النبي صلى الله عليه وسلم، معلناً به على خنادقهم، ومنكياً لمن يليهم من حرس الإسلام ورجالهم، وكان أمره قد استفحل، وداء اشتهاره بهذه العظيمة قد أعضل، وقد جعل هذا