للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر ديدن جهاده، وذهب عنه أن الله تعالى ينتقم لنفسه من عتو هذا اللعين وعناده. فلما كانت الوقعة المشهورة في شعبان من سنة عشرة التي أسر فيها أعلاج الكفر وكنودهم، وأفاء الله على أهل دينه عدوهم وعديدهم، واستولى منهم على ما يناهز ألفي فارس، عرف هذا العلج في جملة من اشتمل عليه الاستيلاء منهم حصراً وعداً، وعوجل بعقوبة كفره الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا؛ فلما صفد في وثاقه، وخرست شقاشق شقاقه، أشعر السلطان الملك الكامل بموضعه، فتنوعت المشورات بصورة قتل هذا الكافر، واللحاق بروحه إلى الجحيم التي هي مأوى الفاجر، فصمم الملك الكامل على إرسال هذا العلج مع من يوصله إلى والي المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وإشعاره بأمره، وأن يباشر بذلك المحل الشريف تطهير الأرض من كفره. فما وصل أقيم بين يدي الضريح المطهر، ونوجي ذلك المحل الأطهر، وذلك في عيد الفطر من السنة المذكورة، وقيل: يا رسول الله: هذا عدو لله وعدوك، والمصرح في ملة كفره بسبك وسبب صاحبك، قد أرسله محمد سلطان مصر ليقتل بين يديك، ويشكر الله لما وفقه من مجاهدة الشرك الذين كفروا بما أنزل إليك، ورام أن يجعله عبرة لمن انتهك حرمتك واجترأ عليك، فتهادته أيدي المنايا ضرباً بالسيوف، وفرح المؤمنون بنصر الله لدينه على طوائف الشرك وأن رغمت منها الأنوف، والحمد لله رب العالمين.

لا جرم أنه بعد وفاته أثيب على هذا المقصد السديد، والتوفيق الذي ما على النعمة به من مزيد: أن الانبرور ملك صقلية وغيرها من بلاد الفرنج - وهو اليوم أكبر ملوكهم خطراً وكانت بينه وبين الملك الكامل صداقة ومهاداة يألف بها إلى أن تأكدت له محبته وصار ذبه عن بلاده من طوائف الكفر ديدنه وعادته - كان عنده من الأسرى المأخوذين من مدينة ميرقة من الغرب عند استيلائه عليها جماعة، فأحضرهم الانبرور بين يديه، وقال له: يا حجاج، قد أعتقتكم عن الملك الكامل؛ وسيرهم مع قصاد تقودهم إلى عكا وأمرهم بحب قيودهم عند قبره، وإطلاق سبيلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>