فأخذ الرازي مجسه، ورأى قارورته واستوصف حاله منذ ابتداء ذلك به، فلم يقم له دليل على سل ولا قرحة، ولم يعرف العلة، واستنظر الرجل لينظر في الأمر، فقامت على العليل القيامة وقال: هذا أيأس لي من الحياة لحذق الطبيب وجهله بالعلة، فازداد ما به من الألم، فولد الفكر للرزاي أن عاد إليه فسأله عن المياه التي شربها في طريقه، فأخبر أنه شرب من مستنقعات وصهاريج، فقام في نفس الرازي بحدة الخاطر وجودة الذكاء أن علقة كانت في الماء وقد حصلت في معدته وأن ذلك الدم من فعلها وقال له: إذا كان في غد جئتك فعالجتك ولم أنصرف حتى تبرأ، ولكن بشرط أن تأمر غلمانك أن يطيعوني فبك لم آمرهم، فقال: نعم؛ فانصرف الرازي فجمع ملء مركنين كبيرين من طحلب فأحضرهما في غد معه فأراه إياهما وقال له: ابلع، فقال: لا أستطيع، فقال للغلمان: خذوه فأنيموه، ففعلوا به ذلك، وطرحوه على قفاه وفتحوا فاه وأقبل الرازي يدس الطحلب في حلقه ويكبسه شديداً ويسأله ببلعه ويهدده بأن يضرب، إلى أن أبلعه كارهاً أحد المركنين بأسره، والرجل يستغيث فلا ينفعه مع الرازي شيء، إلى أن قال العليل: الساعة أقذف، فزاد الرازي في ما يكبسه في حلقه، فذرعه القيء فقذف، فتأمل الرازي قذفة فإذا فيه علقة، وإذا هي لما وصل إليها الطحلب قربت إليه بالطبع وتركت موضعها والتفت على الطحلب ونهض العليل معافى] (١) .
ولم يزل رئيس هذا الشان، وكان اشتغاله به على كبر، يقال إنه لما شرع فيه كان قد جاوز أربعين سنة من العمر، وطال عكره فعمي في آخر مدته، وتوفي سنة إحدى عشرة وثلثمائة، رحمه الله تعالى.
وكان اشتغاله بالطب على الحكيم أبي الحسن علي بن ربن الطبري صاحب التصانيف المشهورة، منها " فردوس الحكمة " وغيره. وكان مسيحياً ثم أسلم. وقد تقدم الكلام على الرازي.
وأما الملوك السامانية فكانوا سلاطين ما وراء النهر وخراسان، وكانوا أحسن الملوك سيرة، ومن ولي منهم كان يقال له سلطان السلاطين، لا ينعت إلا به،