للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الهيبة، وأجلهم بعد الإذن العام على مجلس الأندلس، وأمر لكل واحد منهم ولسائر غلمانه ووجوه أوليائه وحاشيته من الخلع والصلات ونفائس الأمتعة ما لم يسمع بمثله. واتسعت الأمور عن آخرها في كنف إيالته، واستوسقت الأعمال في ضمن كفالته، وفرض على نفسه في كل عام غزو الهند. ثم إنه ملك سجستان في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة، بدخول قوادها وولاة أمرها في طاعته من غير قتال.

ولم يزل يفتح في بلاد الهند حتى انتهى إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية، ولم تتل (١) به قط سورة ولا آية، فرحض عنها أدناس الشرك وبنى بها مساجد وجوامع، وتفصيل حاله يطول شرحه. ولما فتح بلاد الهند كتب إلى الديوان العزيز ببغداد كتاباً يذكر فيه ما فتحه الله تعالى على يديه من بلاد الهند، وأنه كسر الصنم (٢) المعروف بسومنات. وذكر في كتبه أن هذا الصنم عند الهنود يحي ويميت ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأنه إذا شاء أبرأ من جميع العلل، وربما كان يتفق لشقوتهم إبلال عليل يقصده فيوافقه طيب الهواء وكثرة الحركة فيزيدون به افتناناً ويقصدونه من أقاصي البلاد رجالاً وركباناً، ومن لم يصادف منهم انتعاشاً احتج بالذنب وقال: إنه لم يخلص له الطاعة، ولم يستحق منه الإجابة، ويزعمون أن الأرواح إذا فارقت الأجسام اجتمعت لديه على مذهب أهل التناسخ، فينشئها فيمن يشاء، وأن مد البحر وجزره عبادة له على قدر طاقته، وكانوا بحكم هذا الاعتقاد يحجونه من كل صقيع بعيد، ويأتونه من كل فج عميق، ويتحفونه بكل مال نفيس. ولم يبق في بلاد السند والهند على تباعد أقطارها وتفاوت أديانها ملك ولا سوقة إلا تقرب إلى هذا الصنم بما عز عليه من أمواله وذخائره حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية مشهورة في تلك البقاع (٣) ، وامتلأت خزائنه من أصناف الأموال، وفي خدمته من البراهمة ألف رجل يخدمونه، وثلثمائة رجل يحلقون رؤوس حجيجه ولحاهم عند الورود


(١) ر: ولم تقر به؛ ن: ولم تقل به قط صورة ولاية.
(٢) ق: الصنم الكبير.
(٣) ق: البلاد والبقاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>