للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كم من صديق لي أسا ... رقه البكاء من الحياء

وإذا تفطن لامني ... فأقول ما بي من بكاء

لكن ذهبت لأرتدي ... فطرفت عيني بالرداء فقال له: أيها الشيخ، ما غرفته إلا من بحرك، ولا نحته إلا من قدحك، وأنت السابق حيث تقول (١) :

وقالوا قد بكيت فقلت كلا ... وهل يبكي من الجزع الجليد

ولكن قد أصاب سواد عيني ... عويد قذى له طرف حديد

فقالوا ما لد معهما سواء ... أكلتا ملتيك أصاب عود قال صاعد: وتقدمهما إلى هذا المعنى الحطيئة حيث يقول (٢) :

إذا ما العين فاض الدمع منها ... أقول بها قذى وهو البكاء وكان أبو العتاهية ترك قول الشعر، فحكى قال: لما امتنعت من قوله أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم، فلما دخلته دهشت ورأيت منظراً هالني، فطلبت موضعاً آوي فيه، فإذا أنا بكهل حسن البزة والوجه عليه سيما الخير فقصدته، وجلست من غير سلام عليه لما أنا فيه من الجزع والحيرة والفكر، فمكثت كذلك ملياً، وإذا الرجل ينشد:

تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر

وصيرني يأسي من الناس واثقاً ... بحسن صنيع الله من حيث لاأدري قال: فاستحسنت البيتين وتبركت بهما، وثاب إلي عقلي، فقلت له: تفضل - أعزك الله - علي بإعادتهما، فقال: يا إسماعيل، ويحك ما أسوأ أدبك وأقل عقلك ومروءتك، دخلت فلم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم،


(١) لم ترد في ديوانه.
(٢) ديوان الحطيئة: ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>