ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم، حتى سمعت (١) مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله تعالى فيك خيراً ولا أدباً ولا معاشاً غيره، طفقت تستنشدني مبتدئاً كأن بيننا أنساً وسالف مودة توجب بسط القبض، ولم تذكر ما كان منك، ولا اعتذرت عما بدا من إساءة أدبك، فقلت: اعذرني متفضلاً، فدون ما أنا فيه يدهش، قال: وفيم أنت تركت الشعر الذي هو جاهك عندهم وسببك إليهم، ولا بد أن تقوله فتطلق، وأنا يدعى الساعة بي، فأطلب بعيسى بن زيد ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن دللت عليه لقيت الله تعالى بدمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمي فيه، وإلا قتلت، فأنا أولى بالحيرة منك، وها أنت ترى صبري واحتسابي، فقلت: يكفيك الله عز وجل وخجلت منه، فقال: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع، اسمع البيتين، ثم أعادهما علي مراراً حتى حفظتهما، ثم دعي به وبي. فقلت له: من أنت أعزك الله عز وجل قال: أنا حاضر صاحب عيسى بن زيد، فأدخلنا على المهدي، فلما وقفنا بين يديه قال الرجل: أين عيسى بن زيد قال: وما يدريني أين عيسى ابن زيد تطلبته فهرب منك في البلاد وحبستني، فمن أين أقف على خبره قال له: متى كان متوارياً وأين آخر عهدك به وعند من لقيته قال: ما لقيته منذ توارى، ولا عرفت له خبراً! قال: والله لتدلن عليه، او لأضربن عنقك الساعة، فقال: اصنع ما بدا لك، فوالله ما ادلك على ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقى الله تعالى ورسوله عليه السلام بدمه، ولو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت لك عنه، قال: اضربوا عنقه، فأمر به فضربت عنقه، ثم دعا بي فقال: أتقول الشعر، أو أحقك به قلت: بل أقول، قال: أطلقوه، فأطلقت.
وقد روى القاضي أبو علي التنوخي في البيتين المذكورين زيادة بيت ثالث، وهو:
إذا أنا لم أقنع من الدهر بالذي ... تكرهت من طال عتبي على الدهر