مَهْيَع، وما يسديه إليك تستحلي ثمرة شكره، وتستعذب مياه بره، والسلام " فاكتفى أبو الهيجاء بهذه الأسطر، واستغنى عن الكتاب.
وتوجه إلى كرمان، فلما وصلها قصد حضرة الوزير واستأذن في الدخول فأذن له، فدخل عليه وعرض على رأيه القصة، فلما رآها قام وخرج عن دسته فأذن له، إجلالاً لها وتعظيماً لكاتبها، وأطلق لأبي الهيجاء ألف دينار في ساعته ثم عاد إلى دسته، فعرفه أبو الهيجاء أن معه قصيدة يمدحه بها، فاستنشده إياها فأنشده:
دع العيس تذرع عرض الفلا ... إلى ابن العلاء، وإلا فلا فلما سمع الوزير هذا البيت أطلق له ألف دينار أخرى، ولما أكمل إنشاده القصيدة أطلق له ألف دينار أخرى، وخلع عليه، وقاد إليه جواداً بمركبة، وقال له: دعاء أمير المؤمنين مسموع مرفوع، وقد دعا بسرعة الرجوع، وجهزه بجميع ما يحتاج إليه.
فرجع إلى بغداد وأقام بها قليلاً، ثم سافر إلى ما وراء النهر وعاد إلى خراسان ونزل إلى مدينة هراة، وهوي بها امرأة وأكثر من التشبيب فيها، ثم رحل إلى مرو واستوطنها؛ ومرض في آخر عمره وتسودن، وحمل إلى البيمارستان، وتوفي في حدود سنة خمس وخمسمائة، رحمه الله تعالى.
وكان من جملة الأدباء الظرفاء، وله النظم البديع الرائق، وبينه وبين العلامة أبي القاسم الزمخشري المقدم ذكره مكاتبات ومادعبات، وكتب إليه قبل الاجتماع به:
هذا أديب كامل ... مثل الدراري درره
زمخشري فاضلٌ ... أنجبه زمخشره
كالبحر إن لم أره ... فقد أتاني خبره فكتب إليه الزمخشري: