للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد الإنصراف من نيسابور خرج إمام الحرمين للوداع، وأخذ بركابه حتى ركب أبو إسحاق، وظهر له في خراسان منزلة (١) عظيمة وكانوا يأخذون التراب الذي وطئته بغلته فيتبركون به.

وكان زفاف ابنة السلطان إلى الخليفة في سنة ثمانين وأربعمائة، وفي صبيحة دخولها عليه أحضر الخليفة المقتدي عسكر السلطان على سماط صنعه لهم كان فيه أربعون ألف مناً سكراً، وفي بقية هذه السنة في ذي القعدة منها رزق الخليفة ولداً من ابنة السلطان سماه أبا الفضل جعفراً، وزينت بغداد لأجله.

وكان السلطان قد دخل إلى بغداد دفعتين، وهي من جملة بلاده التي تحتوي عليها مملكته، وليس للخليفة فيها سوى الاسم، فلما عاد إليها الدفعة الثالثة دخلها في أوائل شوال سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وخرج من فوره إلى ناحية دجيل لأجل الصيد، فاصطاد وحشاَ وأكل من لحمه، فابتدأت به العلة، وافتصد، فلم يكثر من إخراج الدم، فعاد إلى بغداد مريضاً، ولم يصل إليه أحد من خاصته، فلما دخلها توفي ثاني يوم دخوله، وهو السادس عشر من شوال سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وكانت ولادته في التاسع من جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى، وقيل إنه سم في خلال تخلل به، وحمل تاوبته إلى أصبهان ودفن بها في مدرسة عظيمة موقوفة على طائفة للشافعية والحنفية، ولم يشهد أحد جنازته ببغداد ولا صلي عليه في الصورة الظاهرة ولا جلسوا للعزاء، ولا حذف عليه ذنب فرس كعادة أمثاله، بل كأنه اختلس من العالم (٢) .

ومن عجيب الاتفاق أنه لما دخل بغدا في هذه المرة، وكان للخليفة المقتدي ولدان أحدهما الإمام المستظهر بالله والآخر أبو الفضل جعفر ابن بنت السلطان وقد تقدم ذكر ولادته، وكان الخليفة قد بايع لولده المستظهر بالله بولاية العهد من بعده لأنه كان الأكبر، فألزم السلطان الخليفة أن يخلعه إلى البصرة، فشق ذلك


(١) ق: بركة.
(٢) وكانت ولادته.. العالم: اتبعنا في ترتيب النص هنا ما جاء في المختار، وفيه بعض اختلاف عن النسخ الأخرى في الترتيب العام.

<<  <  ج: ص:  >  >>