للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان شيخنا تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح المقدم ذكره (١) يبالغ في الثناء على فضائله وتعظيم شأنه وتوحده في العلوم؛ فذكره يوماً وسرع في وصفه على عادته، فقال له بعض الحاضرين: يا سيدنا، على من اشتغل ومن كان شيخه فقال: هذا الرجل خلقه الله تعالى عالماً إماماً في فنونه، لا يقال على من اشتغل ولا من شيخه، فإنه أكبر من هذا.

وحكى لي بعض الفقهاء بالموصل أن ابن الصلاح المذكور سأله أن يقرأ عليه شيئاً من المنطق سراً، فأجابه إلى ذلك، وتردد إليه مدة فلم يفتح عليه فيه بشيء فقال له: يا فقيه، المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن، فقال له: ولم ذاك يا مولانا فقال: لأن الناس يعتقدون فيك الخير، وهم ينسبون كل من اشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد، فكأنك تفسد عقائدهم فيك ولا يحصل لك من هذا الفن شيء؛ فقبل إشارته وترك قراءته (٢) .

ومن يقف على هذه الترجمة فلا (٣) ينسبني إلى المغالاة في حق الشيخ. ومن كان من أهل تلك البلاد وعرف ما كان عليه الشيخ، عرف أني ما أعرته وصفاً ونعوذ بالله من الغلو والتساهل في النقل.

ولقد ذكره أبو البركات المبارك بن المستوفي المقدم ذكره (٤) في تاريخ إربل فقال: هو عالم مقدم، ضرب في كل علم، وهو في علم الأوائل: كالهندسة والمنطق وغيرهما ممن يشار إليه، حل اقليدس (٥) والمجسطي على الشيخ شرف الدين المظفر بن محمد المظفر الطوسي الفارابي، يعني صاحب الاصطرلاب الخطي المعروف بالعصا.

ثم قال ابن المستوفي: وردت عليه مسائل من بغداد في مشكلات هذا العلم، فحلها واستصغرها، ونبه على براهينها، بعد أن احتقرها، وهو في الفقه والعلوم


(١) انظر ج ٣: ٢٤٣.
(٢) وكان شيخنا ... قراءته: سقط من بعض النسخ ومن المطبوعات المصرية.
(٣) ر لي: قد.
(٤) ج ٤: ١٤٧.
(٥) لي: أوقليدس.

<<  <  ج: ص:  >  >>