للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان عاقلاً كريماً شجاعاً ورعاً تقياً لله تعالى، لم يهزم له جيش قط.

وكان والده نصير على حرس معاوية بن أبي سفيان، ومنزلته عنده مكينة. ولما خرج معاوية لقتال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، لم يخرج معه، فقال له معاوية: ما منعك من الخروج معي ولي عندك يد لم تكافئني عليها فقال: لم يمكني أن أشكرك بكفر من هو أولى بشكري، فقال: ومن هو قال: الله عزوجل، فقال: وكيف لا أم لك قال: وكيف لا أعلمك هذا، فأعض وأمص (١) ، قال: فأطرق معاوية ملياً، ثم قال: أستغفر الله، ورضي عنه.

وكان عبد الله بن مروان أخو عبد الملك بن مروان والياً على مصر وإفريقية، فبعث إليه ابن أخيه الوليد بن عبد الملك أيام خلافته يقول له: أرسل موسى بن نصير إلى إفريقية، وذلك في سنة تسع وثمانين للهجرة.

وقال الحافظ أبو عبد الله الحميدي في كتاب جذوة المقتبس: إن موسى ابن نصير تولى إفريقية والمغرب سنة سبع وسبعين، فأرسله إليها، فلما قدمها ومعه جماعة من الجند، بلغه أن بأطراف البلاد جماعة خارجين عن الطاعة، فوجه ولده عبد الله، فأتاه بمائة ألف رأس من السبايا، ثم وجه ولده مروان إلى جهة أخرى فأتاه بمائة ألف رأس.

قال الليث بن سعد: فبلغ الخمس ستين ألف رأس، وقال أبو شبيب (٢) الصدفي: لم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير. ووجد أكثر مدن إفريقية خالية لاختلاف أيدي البربر عليها، وكانت البلاد (٣) في قحط شديد، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء، ومعه سائر الحيوانات، وفرق بينها وبين أولادها، فوقع البكاء والصراخ والضجيج، وأقام على ذلك إلى منتصف النهار، ثم صلى وخطب بالناس، ولم يذكر الوليد بن عبد الملك، فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين فقال: هذا مقام لا يدعى فيه لغير


(١) في أكثر النسخ: فأغض وأمض.
(٢) ن: شيث.
(٣) لي: وكان الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>