يا شيخ فلم يلتفت ابن الجواليقي إليه، وقال للمقتفي: يا أمير المؤمنين، سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية، وروى له خبراً في صورة السلام ثم قال: يا أمير المؤمنين لو حلف حالف أن نصرانباً أو يهودياً لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه المرضي لما لزمته كفارة الحنث لأن الله تالى ختم على قلوبهم، ولن يفك ختم الله إلا الإيمان، فقال له: صدقت وأحسنت فيما فعلت، وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع فضله وغزارة أدبه.
وسمع ابن الجواليقي من شيوخ زمانه وأكثر، أخذ الناس عنه علماً جماً، وينسب إليه من الشعر شيء قليل، فمن ذلك ما رأيته منسوباً إليه في بعض المجاميع ولم أتحققه له، وهو:
ورد الورى سلسال جودك فارتووا ... ووقفت خلف الورد وقفة حائم
حيران أطلب غفلة من وارد ... والورد لا يزداد غير تزاحم ثم وجدت هذين البيتين لابن الخشاب من جملة أبيات.
وحكى ولده أبو محمد إسماعيل، وكان أنجب أولاده، قال: كنت في حلقة والدي يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع القصر، والناس يقرؤون عليه، فوقف عليه شاب وقال: يا سيدي، قد سمعت بيتين من الشعر ولم أفهم معناهما، وأريد أن تسمعهما مني وتعرفني مهناهما، فقال: قل، فأنشده:
وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها ... وهجره النار يصليني به النارا
فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة ... إن لم يزرني، وبالجوزاء إن زارا قال إسماعيل: فلما سمعهما والدي قال: يا بني، هذا شيء من معرفة علم النجوم وتسييرها لا من صنعة أهل الأدب، فانصرف الشاب من غير حصول فائدة، واستحيا والدي من أن يسأل عن شيء ليس عنده منه علم، وقام، وآلى على نفسه أن لا يجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير الشمس والقمر، فنظر في ذلك وحصل معرفته، ثم جلس.
ومعنى البيت المسئول عنه أن الشمس إذا كانت في آخر القوس كان الليل في غاية الطول، لأنه يكون آخر فصل الخريف، وإذا كانت في آخر الجوزاء