للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحكى أبو بكر محمد وأبو عثمان سعيد ابنا هاشم الخالديان الشاعران المشهوران في كتاب " الهدايا والتحف " (١) أن الخبرأرزي أهدى إلى ابن يزداد والي البصرة فصاً وكتب معه:

أهديت ما لو أن أضعافه ... مطرحٌ عندك ما بانا

كمثل بلقيس التي لم يبن ... إهداؤها عند سليمانا

هذا امتحانٌ لك إن ترضه ... بان لنا أنك رضانا والشيء بالشيء يذكر - وجدت في هذا الكتاب نادرة طريقة فأحببت ذكرها، وهي (٢) : كان بأصبهان رجل حسن النعمة واسع النفس كامل المروءة يقال له سماك بن النعمان، وكان يهوى مغنية من أهل أصبهان لها قدر ومعنى تعرف بأم عمرو. فلإفراط حبه إياها وصبابته بها (٣) وهبها عدةً من ضياعه، وكتب عليه بذلك كتباً، وحمل الكتب إليها على بغل، فشاع الخبر بذلك، وتحث الناس به واستعظموه؛ وكان بأصبهان رجل متخلف بين الركاكة يهوى مغنية أخرى فلما اتصل به ذلك ظن بجهله وقلة عقله أن سماكاً أهدى إلى أم عمرو جلوداً بيضاً لا كتابة فيها، وأن هذا من الهدايا التي تستحسن ويجل موقعها عند من تهدى إليه، فاتباع جلوداً كثيرة، وحملها على بغلين لتكون هديته ضعف هدية سماك، وأنفذها إلى التي يحب، فلما وصلت الجلود إليها ووقفت على الخبر فيها تغظيت عليه، وكتبت إليه رقعة تشتمه وتحلف أنها لا تكلمه أبداً، وسألت بعض الشعراء أن يعمل أبياتاً في هذا المعنى لتودعها الرقعة، ففعل، وكانت الأبيات:

لا عاد طوعك من عصاكا ... وحرمت من وصلٍ مناكا (٤)

فلقد فضحت العاشقي ... ن بقبح ما فعلت يداكا


(١) انظر الهدايا والتحف: ٢٢ - ٢٣؛ وفي ر: الهديات والتحف.
(٢) المصدر السابق: ١٧٦ - ١٧٧.
(٣) ر: فلما أفرط حبه فيها وكثرت صبابته بها.
(٤) ق: وعدمت ... رضاكا.

<<  <  ج: ص:  >  >>