للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمانتك إلا من يخاف الله، والله ما أنا مأمون الرضا فكيف أكون مأمون الغضب ولو اتجه الحكم عليك، ثم تهددتني أن تغرقني في الفرات أو تلي (١) الحكم لاخترت أن أغرق، ولك حاشية يحتاجون إلى من يكرمهم (٢) لك، ولا أصلح لذلك، فقال له: كذبت أنت تصلح، فقال له: قد حكمت لي على نفسك، كيف يحل لك أن تولي قاضياً على أمانتك وهو كذاب

وحكى الخطيب أيضاً في بعض الرويات (٣) : أن المنصور لما بنى مدينته ونزلها، ونزل المهدي في الجانب الشرقي وبنى مسجد الرصافة، أرسل إلى أبي حنيفة فجيء به، فعرض عيله قضاء الرصافة فأبى، فقال له: إن لم تفعل ضربتك بالسياط، قال: أو تفعل قال: نعم، فقعد في القضاء يومين فلم يأته أحد، فلما كان في اليوم الثالث أتاه رجل صفار ومعه آخر، فقال الصفار: لي على هذا درهمان وأربعة دوانيق ثمن تور صفر (٤) ، فقال أبو حنيفة: اتق الله وانظر فيما يقول الصفار، قال: ليس له علي شيء، فقال أبو حنيفة للصفار: ما تقول فقال: استحلفه لي، فقال أبو حنيفة للرجل: قل والله الذي لا إله إلا هو، فجعل يقول، فلما رآه أبو حنيفة معتمداً على أن يقول قطع عليه وضرب بيده إلى كمه، فحل صرة وأخرج درهمين ثقيلين للصفار: هذان الدرهمان عوض عن باقي تورك، فنظر الصفار إليهما وقال: نعم، فأخذ الدرهمين، فلما كان بعد يومين اشتكى أبو حنيفة فمرض ستة أيام ثم مات.

وكان (٥) يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين أراده أن يلي القدر بالكوفة أيام مروان بن محمد، آخر ملوك بني أمية، فأبى عليه فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، كل يوم عشرة أسواط، وهو على الامتناع، فلما رأى ذلك خلى سبيله. وكان أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، إذا ذكر ذلك بكى وترحم على أبي حنيفة، وذلك بعد أن ضرب أحمد على القول بخلق القرآن.


(١) ن ر ص: ألي.
(٢) ق: إلى أن يكرموا.
(٣) تاريخ بغداد ١٣: ٣٢٩.
(٤) تور صفر: وعاء نحاس.
(٥) تاريخ بغداد ١٣: ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>