وقال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة: مررت مع أبي بالكناسة فبكى، فقلت له: يا أبت ما يبكيك فقال: يا بني، في هذا الموضع ضرب ابن هبيرة أبي عشرة أيام، في كل يوم عشرة أسواط، على أن يلي القضاء، فلم يفعل.
والكناسة، بضم الكاف، موضع بالكوفة.
" قال الفضل بن غانم: كان أبو يوسف مريضاً شديد المرض فعاده أبو حنيفة مراراً، فصار إلى آخر مرة، فرآه ثقيلاً فاسترجع ثم قال: لقد كنت أؤملك بعدي للمسلمين ولئن أصيب الناس بك ليموتن معك علم كثير. ثم رزق العافية وخرج من الغد فأخبر أبو يوسف بقول أبي حنيفة فيه فاتفعت نفسه وانصرفت وجوه الناس إليه فعقد لنفسه مجلساً في الفقه، وقصر عن لزوم مجلس أبي حنيفة فسأل عنه فأخبر أنه عقد مجلساً وأنه يلقي كلامك فيه، فدعا رجلاً كان له عنده قدر فقال: سر إلى مجلس يعقوب فقل له: ما تقول في رجل دفع إلى قصار ثوباً ليقصره بدرهم إليه بعد أيام في طلب الثوب، فقال له القصار: ما لك عندي شيء وأنكره، ثم إن رب الثوب رجع إليه فدفع له الثوب مقصوراً، أله أجرة فإن قال لك: له أجرة فقل له أخطأت، وإن قال: لا أجرة له فقل: أخطأت؛ فسار إليه وسأله، فقال أبو يوسف: له أجرة، فقال: أخطأت، فنظر ساعة ثم قال: لا أجرة له، فقال له: أخطأت، فقام أبو يوسف من ساعته فأتى أبا حنيفة فقال: ما جاء بك إلى مسألة القصار، قال: أجل، قال: سبحان الله، من قعد بفتي الناس وعقد مجلساً يتكلم في دين الله وهذا قدره، لا يحسن أن يجيب في مسألة من الاجارات فقال: يا أبا حنيفة، علمني، فقال: إن كان قصره بعدما غصبه فلا أجرة لاأنه قسر لصاحبه؛ ثم قال: من ظن أنه يستغني عن التعلم فلبيك على نفسه "(١) .
وكان أبو حنيفة حسن الوجه حسن المجلس، شديد الكرم حسن المواساة لإخوانه، وكان ربعة من الرجال، وقيل كان طوالا تعلوه سمرة، أحسن
(١) زيادة من ر، ويبدو أنها مقحمة، لأن سياق الترجمة حتى هذا الحد كان تلخيصاً مرتباً عن تاريخ بغداد، وهذه الحكاية تجيء في ص: ٣٤٩ من تاريخ الخطيب.