للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أسد بن عمرو (١) : صلى أبو حنيفة فيما حفظ عليه صلاة الفجر بوضوء صلاة العشاء أربعين سنة، وكان عامة ليلة يقرأ جميع القرآن في ركعة واحدة وكان يسمع بكاؤه في الليل حتى يرحمه جيرانه، وحفظ عليه أنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة.

وقال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة عن أبيه (٢) : لما مات أبي سألنا الحسن ابن عمارة أن يتولى غسله ففعل، فلما غسله قال: رحمك الله وغفر لك! لم تفطر منذ ثلاثين سنة، ولم تتوسد يمينك في الليل منذ أربعين سنة، وقد أتعبت من بعدك، وفضحت القراء.

ومناقبه وفضائله كثيرة، وقد ذكر الخطيب في تاريخه منها شيئاً كثيراً، ثم أعقب ذلك بذكر ما كان الأليق في تركه والإضراب عنه، فمثل هذا الإمام لا يشك في دينه، ولا في روعه وتحفظه (٣) ، ولم يكن يعاب بشيء سوى قلة العربية، فمن ذلك ما روي أن أبا عمرو بن العلاء المقرىء النحوي - المقدم ذكره - سأله عن القتل بالمثل: هل يوجب القود أم لا قفال: لا، كما هو قاعدة مذهبه خلافاً للإمام الشافعي رضي الله عنه، فقال له أبو عمرو: ولو قتله بحجر المنجنيق، فقال: ولو قتله بأبا قبيس، يعني الجبل المطل على مكة حرسها الله تعالى. وقد اعتذروا عن أبي حنيفة بأنه قال ذلك على لغة من يقول: إن الكلمات الست المعربة بالحروف - وهي أبوه وأخوه وحموه وهنوه وفوه وذو مال - أن إعرابها يكون في الأحوال الثلاث بالألف، وأنشدوا في ذلك:

إن أباها وأبا وأباها ... قد بلغنا في المجد غايتاها وهي لغة الكوفيين، وأبو حنيفة من أهل الكوفة، فهي لغته، والله أعلم.

وهذا وإن كان خروجاً عن المقصود لكن الكلام ارتبط بعضه ببعض فانتشر.

وكانت ولادة أبي حنيفة سنة ثمانين للهجرة (٤) ، وقيل سنة إحدى وستين،


(١) تاريخ بغداد: ٣٥٤.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) ص ن: ولا في تحفظه.
(٤) زاد في ر: وقيل سنة سبعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>