للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يرجعون إلى منازلهم فيستثنون فتبطل أيمانهم، فضحك المنصور وقال: يا ربيع، لا تتعرض لأبي حنيفة، فلما خرج أبو حنيفة قال له الربيع: أردت أن تشيط بدمي، قال: لا، ولكنك أردت أن تشيط بدمي فخلصتك وخلصت نفسي.

وكان أبو العباس (١) الطوسي سيء الرأي في أبي حنيفة، وكان أبو حنيفة يعرف ذلك، فدخل أبو حنيفة على المنصور، وكثر الناس، فقال الطوسي: اليوم أقتل أبا حنيفة، فأقبل عليه فقال: يا أبا حنيفة، إن أمير المؤمنين يدعو الرجل فيأمره بضرب عنق الرجل لا يدري ما هو، أيسعه أن يضرب عنقه فقال: يا أبا العباس أمير المؤمنين يأمر بالحق أم الباطل فقال: بالحق، قال: أنقذ الحق حيث كان ولا تسأل عنه؛ ثم قال أبو حنيفة لمن قرب منه: إن هذا أراد أن يوثقني (٢) فربطته.

وقال يزيد بن الكميت (٣) : كان أبو حنيفة شديد الخوف من الله تعالى، فقرأ بنا علي بن الحسن (٤) المؤذن ليلة العشاء الأخيرة سورة " إذا زلزلت " وأبو حنيفة خلفه، فلما قضى الصلاة وخرج الناس نظرت إلى أبي حنيفة وهو جالس يتفكر ويتنفس، فقلت: أقوم لا يشتغل قلبه بي، فلما خرجت تركت القنديل ولم يكن فيه إلا زيت قليل، فجئت وقد طلع الفجر وهو قائم وقد أخذ بلحية نفسه، وهو يقول: يا من يجزي بمثقال ذرة خيرً خيراً، ويا من يجزي بمثقال ذرة شر شراً، أجر النعمان عبدك من النار، ومما يقرب منها من السوء، وأدخله في سعة رحمتك، قال: فأذنت (٥) وإذا القنديل يزهر وهو قائم، فلما دخلت قال لي: تريد أن تأخذ القنديل، قلت: قد أذنت لصلاة الغداة، فقال: اكتم علي ما رأيت، وركع ركعتين وجلس حتى أقمت الصلاة وصلى معنا الغداة على وضوء أول الليل.


(١) المصدر السابق نفسه.
(٢) ن ص: يوبقتي.
(٣) تاريخ بغداد: ٣٥٧.
(٤) ع ر ن ق: الحسن.
(٥) ر: فدنوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>