للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال الفرزدق: إن كتاب الله يدرؤه عني بقوله تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون) الشعراء: فأنا قلت ما لم أفعل، فتبسم سليمان، وقال: أولى ذلك.

وتنسب إليه مكرمة يرجى له بها الجنة، وهي أنه لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه، فطاف وجهد أن يصل إلى الحجر ليستلمه، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وقد تقدم ذكره - وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً، فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضراً فقال: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس فقال (١) :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها: ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمي إلى ذروة العز التي قصرت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

في كفه خيزران ريحه عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم

يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم


(١) نسب الآمدي أبياتاً منها في المؤتلف: ١٢٢ للحزين الكناني؛ وقال ابن قتيبة - وأورد منها بيتين - إنهما في مدح بعض بني أمية (الشعر والشعراء: ١٢) وذكر ابو الفرج (الأغاني ١٥: ٢٥٧) أنهما للحزين بن سليمان الديلي وقال: والناس يروون هذين البيتين للفرزدق في أبياته التي يمدح بها علي بن الحسين عليه السلام وأولها " هذا الذي تعرف البطحاء وطأته " فالقصيدة صحيحة النسبة إلى الفرزدق في رأي أبي الفرج إلا أن البيتين السادس والسابع ليس منها؛ وإيراد القصة على أن القصيدة جاءت عفو الخاطر، أو كأن الفرزدق كان متوقعاً ذلك السؤال، فيه قدر من السذاجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>