للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، فاصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فرداً فقدماها، وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك الخبر إليه، فوجه إلى الفراء فاستدعاه، فلما دخل عليه قال: من أعز الناس قال: ما أعرف أعز من أمير المؤمنين، قال: بلى من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين حتى رضي كل واحد أن يقدم له فرداً، قال: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما عن ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها أو أكسر نفوسهما عن شريعةٍ حرصا عليها، وقد روي عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين ركابيهما، حين خرجا من عنده، فقال له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما وأنت أسن منهما فقال له: اسكت يا جاهل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل، فقال له المأمون: لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوماً وعتباً وألزمتك ذنباً، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما، ولقد ظهرت لي مخيلة الفراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل وإن كان كبيراً عن ثلاث: عن تواضعه لسلطانه ووالده ومعلمه العلم، وقد عوضتهما بما (١) فعلاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما.

وقال الخطيب أيضاً (٢) : كان محمد بن الحسن الفقيه ابن خالة الفراء، وكان الفراء يوماً جالساً عنده، فقال الفراء: قل رجل أنعم النظر في باب من العلم فأراد غيره إلا سهل عليه، فقال له محمد: يا أبا زكريا قد أنعمت النظر في العربية، فنسألك عن باب من الفقه فقال: هات على بركة الله تعالى، قال: ما تقول في رجل صلى فسها فسجد سجدتين فسها فيهما ففكر الفراء ساعة ثم قال: لا شيء عليه، فقال له محمد: ولم قال: لأن التصغير عندنا لا تصغير له، وإنما السجدتان تمام الصلاة، فليس للتمام تمام، فقال محمد: ما ظننت آدمياً يلد مثلك.


(١) ع ق س بر من: مما.
(٢) تاريخ بغداد ١٤: ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>