للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعد إلينا في اليوم الثاني، فأخذته وانصرفت، وعدت في اليوم الثاني فجلست معه على المائدة، فأنشأ يسألني كما يسألني في اليوم الأول، فلما رفع الطعام دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز مني، فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادم معه كيس فيه ألف دينار، فقال لي: الوزير يقرأ عليك السلام، ويقول لك: استعن بهذا على أمرك وعد إلينا في غد، فأخذته وانصرفت وعدت في اليوم الثالث كما أمر، فأعطيت مثل الذي أعطيت في اليوم الأول والثاني، فلما كان في اليوم الرابع أعطيت الكيس كما أعطيت قبل ذلك، وتركني بعد ذلك أقبل رأسه، وقال: إنما منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا، فالآن قد لحقك بعض النفع مني، يا غلام أعطه الدار الفلانية، يا غلام افرش له الفرش الفلاني، يا غلام أعطه مائتي ألف درهم يقضي دينه بمائة ألف ويصلح شأنه بمائة ألف، ثم قال لي: الزمني وكن في داري، فقلت: أعز الله الوزير، لو أذنت لي بالشخوص (١) إلى المدينة لأقضي الناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي، قال: قد فعلت، وأمر بتجهيزي، فشخصت إلى المدينة، فقضيت ديني ثم رجعت إليه فلم أزل في ناحيته (٢) .

ودخل عليه يوماً أبو قابوس الحميري فأنشده:

رأيت يحيى أتم (٣) الله نعمته ... عليه يأتي الذي لم يأته أحد

ينسى الذي كان من معروفه أبداً ... إلى الرجال ولا ينسى الذي بعد فقضى حوائجه ووصله بجملة من المال.

قلت: قد حل هذا البيت الثاني شرف الدولة مسلم بن قريش، وقد قال له رجل: لا تنس أيها الأمير حاجتي، فقال: إذا قضيتها أنسيتها (٤) .


(١) ر: بالنهوض والشخوص.
(٢) قال صاحب المختار عند هذا الموضع: وذكر والدي أحمد قدس الله روحه من مكارم يحيى وكرمه حكايات عديدة أضربت عن ذكرها طلباص للإيجاز.
(٣) ر ن: أدام.
(٤) زاد في ر: وهذا من الأجوبة الدالة على شرف القدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>