للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمسلم بن الوليد الأنصاري في يحيى بن خالد (١) :

أجدك هل تدرين إن رب ليلة ... كأن دجاها من قرونك ينشر

صبرت لها حتى تجلت بغرةٍ ... كفرة يحيى حين يذكر جعفر وكان يحيى يقول: إذا أقبلت الدنيا فأنفق فغنها لا تفنى، وإذا أدبرت فأنفق فإنها لا تبقى، وقال: ذكر النعمة من المنعم تكدير، ونسيان المنعم عليه كفر وتقصير؛ وقال: النية الحسنة مع العذر الصادق يقومان مقام النجح؛ وقال: إذا أدبر الأمر كان العطب في الحيلة.

وقال الحسن بن سهل - المقدم ذكره: ومن غيرته الولاية لإخوانه علمنا أن الولاية أكبر منه، أخذنا ذلك عن صاحب ديوان المكارم أبي علي يحيى بن خالد بن برمك.

[ولما عزم جعفر على بناء قصره شاور أباه يحيى بن خالد فيه فقال: هو قميصك إن شئت فوسعه وإن شئت فضيقه؛ وأتاه وهو يبني داره فإذا الصناع يبيضون حيطانها فقال: إنك تعطي بالفضة، فقال جعفر: ليس كل أوان يكون ظهور الذهب أصلح، ولكن هل ترى عيباً قال: نعم، فخالطتها لدور السفل والسوقة] (٢) .

وكان ليحيى كاتب يختص بخدمته ويقرب من حضرته، فعزم على ختان ولده، فاحتفل له الناس على طبقاتهم، وهاداه أعيان الدولة ووجوه الكتاب والرؤساء على اختلاف منازلهم، وكان له صديق قد اختلت أحواله وضاقت يده عما يريده مما دخل فيه غيره، فعمد إلى كيسين كبيرين نظيفين، فجعل في أحدهما ملحاً وفي الآخر أشناناً مكفراً، وكتب معهما رقعة نسختها: لو تمت الإرادة لأسعفت بالعادة، ولو ساعدت المكنة على بلوغ الهمة لاتبعت السابقين إلى برك وتقدمت المجتهدين في كرامتك، لكن قعدت القدرة عن البغية وقصرت الجدة عن مباراة أهل النعمة، وخفت أن تطوى صحائف البر


(١) ديوان مسلم: ٣١٦.
(٢) زيادة من ر.

<<  <  ج: ص:  >  >>