للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعاملون الخلفاء به من حسن الطاعة والتأدب معهم والذب عنهم ممن يفتات عليهم، وشكا من مسعود البلالي، وأنه كاتب في ذلك عدة دفعات وما جاءه جواب، وأطال القول في ذلك، وكان هذا في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة في شهر ربيع الآخر، فما مضى على هذا إلا قليل حتى عاد الجواب بالاعتذار والذم لمسعود البلاني والإنكار لما اعتمده، فاستبشر المقتفي بإشارة عون الدين وعظم سروره بذلك وحسن موقع عون الدين من قلبه، ولم يزل عنده مكيناً حتى استوزره.

قال مصنف السيرة: وكان أيضاً من جملة أسباب وزارته أنه في سنة ثلاث وأربعين وصل إلى بغداد الأمير ابن ألقش (١) المسعودي صاحب اللحف، وهو صقع بالعراق، ويلدكز السلطاني، وقصداها في جموع كثيرة، وصدر منهم فتن عظيمة تضمنتها التواريخ، فشرع الوزير قوام الدين بن صدقة في تدبير الحال، فأخفق مسعاه، فحينئذ استأذن عون الدين في أمرهم فأذن له في ذلك، فخاطب هؤلاء الخارجين على الخليفة، وأحسن التدبير في ذلك حتى كف شرهم، ثم قوي عليهم حتى نهبت العامة أموالهم، وجرت المقادير بهذه الأحوال لرفع ابن هبيرة ووضع الوزير ابن صدقة، فإنه عند انقضاء هذا المهم استدعى الخليفة المقتفي عون الدين بمطالعة على يد أميرين من أمراء الدولة فتبين بقراءته لها التباشير في أسرته، فركب إلى دار الخليفة في جماعته، وتسامع الناس بوزارته، ولما وصل إلى باب الحجرة استدعي فدخل وقد جلس له المقتفي بميمنة التاج، فقبل الأرض وسلم، وتحدثا ساعة بما لم يحط به غيرهما علماً، ثم خرج وقد جهزوا له التشريف على عادة الوزراء، فلبسه، ثم استدعي ثانياً فقبل الأرض، ودعا بدعاء أعجب الخليفة، ثم أنشده:

سأشكر عمراً ما تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت

رأى خلتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت بمرأىً منه حتى تجلت قلت: وهذان البيتان لإبراهيم بن العباس الصولي - المقدم ذكره - وهي


(١) كذا في س؛ وفي ق ع: ابن البقسق؛ بر: ابو البقش.

<<  <  ج: ص:  >  >>