للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الملك، فلما انكشف حاء إلى أخيه يزيد، وكان الناس يبايعون يزيد بن المهلب، وكانت مبايعته على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن لا تطأ الجنود بلادهم ولا بيضتهم، ولا تعاد عليهم سيرة الفاسق الحجاج، وكان مروان بن الملهب بالبصرة يحرض الناس على حرب أهل الشام ويسرح الناس إلى أخيه يزيد.

وكان الحسن البصري (١) ، رضي الله عنه يثبط الناس عن يزيد بن المهلب، فقال يوماً في مجلسه: يا عجباً لفاسق من الفاسقين ومارق من المارقين غير برهة من دهره، يهتك الله في هؤلاء القوم كل حرمة، ويركب له فيهم كل معصية ويأكل ما أكلوا ويقتل ما قتلوا، حتى إذا منعوه لماظةً كان يتلمظها قال: أنا لله غضبان فاغضبوا، ونصب قصباً عليها خرق، وتبعه رجراجة رعاع هباء ما لهم أفئدة وقال: أدعوكم إلى سنة عمر بن عبد العزيز، ألا وإن من سنة عمر أن توضع رجلاه في قيد ثم يوضع حيث وضعه عمر، فقال له رجل: أتعذر أهل الشام يا أبا سعيد يعني بني أمية، فقال: أنا أعذرهم لا عذرهم الله! والله لقد حدث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إني حرمت المدينة بما حرمت به بلدك مكة " فدخلها أهل الشام ثلاثاً لا يغلق لها باب إلا أحرق بما فيه، حتى إن الأقباط والأنباط ليدخلون على نساء قريش فينتزعون خمرهن من رؤوسهن وخلاخلهن من أرجلهن، سيوفهم على عواتقهم، وكتاب الله تحت أرجلهم، أنا أقتل نفسي لفاسقين تنازعا هذا الأمر والله لوددت أن الأرض أخذتهما خسفاً جميعاً.

فبلغ ذلك يزيد بن المهلب فأتى الحسن، هو وبعض بني عمه إلى حلقته في المسجد متنكرين، فسلما عليه ثم خلوا به، فاشرأب الناس ينظرون إليهم، فلاحاه يزيد، فدخل في ملاحاتهما ابن عم يزيد، فقال له الحسن: وما أنت وذاك يا ابن اللخناء فاخترط سيفه ليضربه به، فقال يزيد: ما تصنع قال: أقتله، فقال له يزيد: اغمد سيفك فوالله لو فعلت لانقلب من معنا علينا.

قلت: ويزيد بن المهلب المذكور، هو الذي عناه بن دريد في مقصورته


(١) المصدر السابق: ١٣٩٢ مع بعض اختلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>