وأما غير الطبري فإنه قال: لما قدم أبو جعفر على الحسن بن قحطبة تحول له الحسن من سرادقه فأنزله فيه، وأقاموا يقتتلون أياماً، وثبت معن بن زائدة مع ابن هبيرة، وطال الحصار عليهم، وكان أبو جعفر المنصور يقول: ابن هبيرة يخندق على نفسه مثل النساء، وبلغ ابن هبيرة ذلك، فأرسل إليه: أنت القائل كذا ابرز إلي لترى، فأرسل إليه المنصور: ما أجد لك ولي مثلاً إلا كأسد لقي خنزيراً، فقال له الخنزير: بارزني، فقال الأسد: ما أنت لي بكفؤ فإن بارزتك فنالني منك سوء كان عاراً، وإن قتلتك قتلت خنزيراً، فلم أحصل على حمد، ولا في قتلك فخر، فقال له الخنزير: لئن لم تبارزني لأعرفن السباع أنك جبنت عني، فقال الأسد: احتمال عار كذبك أيسر من تلطيخ براثني بدمك. ثم إن المنصور كاتب القواد، وفهم ابن هبيرة فطلب الصلح، فأجابه المنصور، وكتبوا كتاب الصلح والأمان، وبعثه المنصور إلى أخيه السفاح فأمضاه، وكتب فيه: فإن غدر ابن هبيرة أو نكث فلا عهد له ولا أمان، وكان من رأي المنصور الوفاء له.
وقال أبو الحسن المدائني: لما كتب المنصور بينه وبين ابن هبيرة كتاب الصلح خرج إلى المنصور وبينه وبينه ستر، فقال ابن هبيرة: أيها الأمير إن دولتكم بكر فأذيقوا الناس حلاوتها وجنبوهم مرارتها، تصل محبتكم إلى قلوبهم ويعذب ذكركم على ألسنتهم، وما زلنا منتظرين لدعوتكم، قال: فرفع المنصور الستر بينه وبينه وقال في نفسه: عجباً لمن يأمرني بقتل مثل هذا. وصار ابن هبيرة يخرج إلى المنصور في آخر أمره في ثلاثة من أصحابه يتغدى ويتعشى عنده وكان يثني له وساده.
فيقال إنه كان يكاتب عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويدعو إليهم وإلى خلع السفاح، وجاءه كتاب أبي مسلم يحثه على قتل ابن هبيرة، فكتب السفاح إلى المنصور يأمره بقتله، فقال: لا أفعل وله في عنقي بيعة وأيمان فلا أضيعها بقول أبي مسلم، فكتب السفاح: ما أقتله بقول أبي مسلم بل بنكثه وغدره ودسيسه إلى آل أبي طالب، وقد أبيح لنا