فبع فرسه وسلاحه وأثاثه واقسم ثمنها بين غرمائه، ففعل ذلك وبقيت عليه بقية حبسه بها، فقال ابن مفرغ في بيعهما:
شريت برداً ولو ملكت صفقته ... لما تطلبت في بيعٍ له رشدا
لولا الدعي ولولا ما تعرض لي ... من الحوادث ما فارقته أبدا
يا برد ما مسنا دهر أضر بنا ... من قبل هذا ولا بعنا له ولدا معنى شريت: بعت، وهو من الأضداد يقع على الشراء والبيع. والأبيات أكثر من هذا فتركت الباقي.
وعلم ابن مفرغ أنه إن أقام على ذم عباد وهجائه وهو في حبسه زاد في نفسه شراً، فكان يقول للناس إذا سألوه عن حبسه ما سببه: رجل أدبه أميره ليقوم من أوده ويكف من غربه، وهذا لعمري خير من جر الأمير ذيله على مداهنة صاحبه. فلما بلغ ذلك عباد رق له وأخرجه من السجن، فهرب حتى أتى البصرة ثم خرج منها إلى الشام، وجعل يتنقل في مدنها هارباً ويهجو زياداً وولده، فمن ذلك قوله في ترك سعيد بن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وأتباعه عباد بن زياد ويذكر بيع برد عليه:
أصرمت حبلك من أمامه ... من بعد أيامٍ برامه
فالريح تبكي شجوها ... والبرق يضحك في الغمامه
لهفي على الأمر الذي ... كانت عواقبه ندامه
تركي سعيداً ذا الندى ... والبيت ترفعه الدعامه
ليثاً إذا شهد الوغى ... ترك الهوى ومضى أمامه
فتحت سمرقند له ... وبنى بعرصتها خيامه
وتبعت عبد بني علا ... جٍ، تلك أشراط القيامه
جاءت به حبشية ... سكاء تحسبها نعامه
من نسوةٍ سود الوجو ... هـ ترى عليهن الدمامه
وشريت برداً ليتني ... من بعد بردٍ كنت هامه